للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

، وأخبرهم بالأجل فقالوا: إذا رأينا أسباب العذاب آمنَّا. فلما مضى من الأجل خمسة وثلاثون يومًا غامت السماء غيمًا أسود فاسودَّت سطوحاتهم، فأيقنوا بالعذاب، فأوحى الله إليه: أخبرهم بأن العذاب مصبِّحَهم بعد ثلاث، فأخبرهم فقالوا: لم نجرِّب عليه كذبًا قط، فانظروا فإن بات فيكم الليلة فليس بشيء، وإن لم يبتْ وإلا صبَّحكم العذاب كما قال. فلما كان في جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم، فلما أصبحوا تغشَّاهم العذاب كما يُغَشِّي الثَّوبُ (١)، وصار على رؤوسهم قدر ميل، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك، وطلبوا نبيَّهم يونس فلم يجدوه، فقذف الله في قلوبهم التوبة، فخرجوا إلى الصعيد بأهاليهم وصبيانهم ومواشيهم، ولبسوا المُسوحَ وأظهروا الإيمان وأخلصوا النيَّة في التوبة، وفرَّقوا بين كل والدة وولدها من الناس والدَّواب، فَحَنَّ بعضها إلى بعض، وعَلت الأصوات واختلطوا وعجُّوا إلى الله تعالى وبكوا وتضرعوا، وقالوا: آمنا بما جاء به يونس.

وقال ابن مسعود: ترادُّوا المظالم فيما بينهم، حتى إن الرجل كان يأتي إلى أساس داره فيقلع الحجر الذي غصبه ويرده إلى صاحبه وصاحوا: يا حيُّ حين لا حيٌّ، يا محيي الموتى، لا إله إلا أنت، فكشف الله عنهم العذاب (٢).

قال ابن عباس: فذلك قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ﴾ الآية [يونس: ٩٨]، ومعناه: فهلا، وكذا هو في مصحف ابن مسعود وأُبيٍّ.

وقال الربيع: معناه: لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتَّعناهم إلى حين، وهو وقت انقضاء آجالهم.

وقال مجاهد: إنما نفعهم إيمانهم في وقت اليأس لأن آجالهم بقيت منهم بقية فنجوا بما بقي من آجالهم، فأما إيمان من قد انقضى أجله فغير نافع عند حضور الأجل. وهذا الكلام في غاية الجودة.

وقال ابن عباس: غشيهم العذاب كما يغشى التُّرب (٣) القبر إذا دخل صاحبه فيه.


(١) في (ط): التراب القبر، والمثبت من (ب، ك).
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٤١١ - ٤١٢، و "المنتظم" ١/ ٣٩٥ - ٣٩٦.
(٣) في (ك): الثوب، وليس في (ب)، والمثبت من (ط).