ثمَّ إنَّ عميدَ الجيوش أظهر المرضَ، وسأل الانتقال إلى عسكر مكرم -إذ هي أصحُّ ماءً وهواءً- فأذِنَ له، فخرج إلى عسكر مكرم، وبعث إلى الأهواز، فأخذ أمواله الشيء بعد الشيء، وإلى أن حصله عنده، ثمَّ سار إلى تُسْتَر، وأظهر أنَّ له فيها مالًا يريد أخْذَه، ثمَّ سار إلى جندي سابور، فبعث إليه بهاء الدولة بالرجوع، فقال لرسوله: ما تركتُ ورائي خدمةً يحتاج فيها إلى مكاني. وقصد السوس، ولم يرجِعْ. وقال أبو الخطاب لبهاء الدولة: قد فارق عميد الجيوش وهو مستوحشٌ، ومتى تعرَّضْتَ للوزير لم يبْقَ لابن واصل من يقاومه، الواجب أن تلزمه بفتح البصرة، فأمره فسار إليها بعسكر فارس، ثمَّ جهَّز بهاءُ الدولة أبا العباس عيسى بن ماسرجس عقيبه إلى البصرة، فاجتمع بأبي غالب، وقال له: أنت الوزير، وأنا تبَعٌ برسم الكتابة. فشكره، وأقاما على ذلك حتى فُتحت البصرة، ولم يزَلْ بهاءُ الدولة بعميد الجيوش حتى عاد إلى بغداد.
وفيها فُتحت البصرة، وقد ذكرنا أنَّ الوزير أبا غالب سار إليها على ظهر، وكتب إلى واسط، فجاءته السُّفن والزَّبازب والرجال، وذلك في ذي الحجة، فدخلها، وانهزم ابن واصل مع حسان بن ثِمال الخفاجي إلى البرية، واستأمَنَ مَنْ كان مع ابن واصل من العساكر إلى الوزير، وشَرْحُ قصَّته أنَّ ابن واصل لمَّا عاد مهزومًا من الأهواز نزل بذاودان، فخرج إليه نساء الدَّيلم الذين قُتلوا وأُسروا معه، فشتموه، وقالوا: حملتَ رجالنا وأسْلَمْتَهم إلى القتل. وتلاحَقَ به فَلُّ الدَّيلم حتى صار عنده عددٌ كثيرٌ منهم، وجمع زبازِبَه وسُفُنَه -وكانت سبع مئة- وحشد، وأخرج الذخائر التي كانت بالبصرة، وفرَّقها على الجيش، وجاءه الوزير في الزَّبازب، وعسكر فارس، وقاتل ابنَ واصل، وما كانت زَبازبُ الوزير تقوم بزبازِبه، وأقام مدةً يناوشه، وضاق الأمر على الوزير، ونَفِد ما كان معه من المال، وطالبَه الجندُ، فبعث إلى بهاء الدولة يستمِدُّه، فقعد عنه، وراسله بأن يقوم بما يحتاج إليه من مال نفسه، وعزم على العود بالعسكر عن البصرة، وابنُ واصل يخادعه ويراسله، ويقول: واللهِ ما هِبْتُ أحدًا هيبتَكَ، ولقد قصدتُ بهاءَ الدولة وعميدَ الجيوش دفعات، فما كان لهم في قلبي مثلُ هيبتِكَ، وأُريد أن تتوسَّط في أمري مع بهاء الدولة على كل ما يريد من المال، وكان مقصودُه غِرَّة أبي غالب، حتى