ويكون ككافور الأخشيذي، ويُعاملك بما عامل به كافورٌ ابنَ مولاه. قال: فما الرأيُ عندكَ؟ قال: مسابقتُه إلى ما يُريده بقتلِه، والراحةَ منه. فكان مِنْ قَتْلِه ما كان، فلمَّا سمع ابنُ هشام ذلك قال: يا ضاحك، أريد أن أسألك عن هشام والدي، وما كان من موته. فقال: اعفِني. فقال: فإني أخاف ابنَ أبي عامر أن يقتلني، ولا تقدِرُ على دَفْعِه عنِّي. فقال: دَعْ هذا، فإن السرَّ بيننا محفوظ، وأنت آمِنٌ مما تخاف، وأنت ثقتي وموضعُ سِرِّي. فقال له: إن والدك في الحياة، وابنُ أبي عامر حبسَه في المكان الفلاني، ونزغَ الشيطانُ بينَه وبين والدتِكَ حتى اجتمعا على الفساد زمانًا طويلًا، ثمَّ خافا أن يظهر أبوكَ عليهما، فحبساه في سرداب، ومَلَكا الأمر. قال: فما الرأيُ؟ قال: تقتلُ ابنَ أبي عامر ووالدتَك وتُخرجُ أباك. فأعطاه يدَه، وتحالفا وقال: إن تمَّ هذا فأنت الشريك في الدولة، وأُشاطرك النِّعمة. فقال: اصبِرْ حتى أُدبِّرَ ما يكون فيه النجاح. فاتَّفق الخادمُ مع خَدمِ هشام وجماعةٍ على ما يُريد، فلمَّا تمَّ ذلك قال لابن هشام: أظهرِ التنكُّرَ لي، والكراهةَ لخدمتي إياك، وأبعِدْني عنك، ثمَّ انفرِدْ في حجرةٍ، وأظهِرْ أنك مريض، وقد جعلتُ الخدم على بابِكَ. فأظهَرَ المرض، فقال ضاحك لابن أبي عامر ولأم ابن هشام: قد ذكر الخدمُ أنَّه مريض، وقد أضعفته الحمَّى. فقالا: غدًا نأتي إليه نعودُه. وأوقف ضاحكٌ الخدمَ في الدهاليز بالسكاكين من تحت ثيابهم، وجاء ابنُ أبي عامر والمرأةُ من الغد ومعهما الخَدَم والجواري، فتلقَّاهم ضاحك وقال: مولانا قَلِقٌ، لا تُدْخِل معكما أحدًا. فدخلا وجلسا عند رأسه ساعةً، وقد أغلق ضاحكٌ الأبواب، فشرع ابنُ أبي عامر وأمُّه يسألانه عن حاله، فقال الصبيُّ لابن أبي عامر: أُريد والدي. فقال: نسأَ اللهُ في أجلك، والدُكَ توفِّي منذ زمان. فقال: يا ضاحك، خُذْ رأسَ ابنِ أبي عامر. فضربه بدَشْنيٍّ (١) كان في يده، فصاحت أمُّه، وقامت لتمنَعَه، فخرج الخَدمُ الذين رُتِّبوا فقتلوهما، وقام ابنُ هشام من ساعته، وقصد الحُجرةَ التي فيها السِّرداب، ودخل فأخرج والده - وقد شعِثَ وطال شعرُه، وساء حالُه - وقتل الخادمَ والقَهرمانةَ الموكَّلين به، وهرب مَنْ كان في الدار من
(١) الدَّشْنة: الخنجر أو المُدية. المعجم الذهبي ص ٢٧٢.