خدم ابنِ أبي عامر، وشاع الخبر بالأندلس، واجتمعت صنهاجة مُنكِرين ما جرى على ابنِ أبي عامر، وهاجموا القصرَ ونهبوه، وقتلوا هشامًا وولدَه، ووقعتِ الفتن، ودامت الحرب بين العامة وصَنْهاجة أربعَ سنين، ثمَّ إن صَنْهاجة استنجدوا بالفرنج المجاورين للأندلس، فساروا في خمسين ألفًا، فقاتلوا أهلَ البلد، وفتحوه عَنوةً، وطرحوا النار في أطرافه، وقتلوا مُعظم أهله، ونهبوا الأموال وسَبَوا، ولجأ المسلمون إلى المصاحف والمساجد، فكفَّتْ صَنْهاجة حينئذ عنهم، ومنعوا الروم منهم، ثمَّ أجمعوا على أن يُنَصِّبوا خليفةً أُمويًّا، وكان بقرطبة رجلٌ من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب قد تزهَّد وانقطع إلى العبادة، فقالوا: هذا أصلح من الأموي، فإن الأموي يطالبكم بالثأر، فجاؤوا إلى العلوي وسألوه أن يتولَّى أمرَهم، فامتنع، فلم يزالوا به حتى أجاب، فملَّكوه، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأظهر العدل، فأذعنَتْ له صَنْهاجة والبربر وأهل الأندلس قاطبةً بالطاعة، فأقام إلى سنة اثنتي عشرة وأربع مئة، وقُتِلَ، وسبب قَتْلِه أنَّه مال إلى الخدم والصَّقالبة، وأُعجِبَ بصبيٍّ منهم، فَشُغِفَ به، واختصَّه وقدَّمه على الخدم، ثمَّ مال إلى صبيٍّ آخر فقدَّمه عليه، فغار الغلام، فدخل الحمام معه فقتله وهرب، فأُخِذَ وقُتِلَ، فأقاموا ابنَ عمٍّ له مقامَه.
وفي جمادى الأولى قلَّد بهاءُ الدولة أبا الحسن محمَّد بن محمَّد العلوي النقابة والحج، ولقَّبه بالرضي ذي الحسبين، ولقَّب الشريف [أبا القاسم أخاه بالمرتضى ذي المجدين، ولقَّب الشريف](١) أبا الحسن الزينبي بالرضي ذي الفخرين.
وفيها خرج عميد الجيوش [من] بغداد لقتال بدر بن حسنويه، وذلك لأنه كان قد ساعد ابنَ واصل على قتال بهاء الدولة، فكتب بهاءُ الدولة إلى عميد الجيوش بقتاله، فسار إلى بلاده، وانتزعها من يده، وبَعُدَ بدرٌ عنه، وضاقتِ النفقةُ والميرة على العميد، وأراد الانصراف إلى بغداد، وراسله بدرٌ وقال: أنتَ صاحبي، وبيني وبينك عهود، وعسكرُكَ ثقيلٌ، وبلادي ما تَحْتَمِلُه، وفيها من الأكراد ما قد علِمْتَ، فارجعْ ووادِعْني إلى وقت. وحمل إليه الأموال، فرجع وبلغ بهاء الدولة فلم يُعْجِبْه.
(١) ما بين حاصرتين هنا وفي الموضعين الآتيين من (ب)، وهذا الخبر في المنتظم ١٥/ ٥٤ والزيادة فيه أيضًا.