وتحصَّنَتْ بها، فرتَّب الخطيرُ تحتها جماعةً يمنعونها من الخروج، فكانت في صورة المعتقلة، وكانت لها جاريةٌ تشبهها، فكانت تنزل كلَّ يومٍ تأخذ لها من نهرٍ تحت القلعة وتصعد، فألِفَ الموكلون، وأرسلت السيدة إلى قوم من أهل الرسداق فيهم عصبيةٌ وفتوة، فَواثَقتْهم على حملها إلى بلاد بدر بن حسنويه، فجاؤوا فنزلوا على النهر كأنهم عابرو سبيل، ونزلت وبيدها الجرَّة كأنها الجارية، وركبت دابَّةً، وساروا بها إلى بلد بدر بن حسنويه، وذلك في سنة سبع وتسعين، وكان في نفس بدر من الخطير، فأكرمها بدر، وسار بنفسه معها، وكان ابنُها شمس الدولة بهمَذَان، فوافاها بعساكر هَمَذان، وقَبَّل بدرٌ بين يديه الأرض، وساروا إلى الريِّ، فأطلق الخطيرُ الأموال، واستخلف الدَّيلمَ، ووقع القتالُ، وجرى على الريِّ أمرٌ عظيم من الحريق والنَّهب والقتل، وظفر بدرٌ بالخطير، فقبض عليه، وقبضت السيدةُ على ابنِها مجدِ الدولة، وأصعدَتْه إلى القلعة، وأقعدت شمسَ الدولة ابنَها على السرير، وعادت إلى ما كانت عليه، وعاد بدرٌ إلى بلاده، وأخذ الخطيرَ معه وعذَّبه حتى مات، وتغيَّرت أخلاقُ شمس الدولة، وتمكَّنت منه المرة السوداء، فرجع إلى هَمَذان، وساسَتِ السيدة الملك، ودبَّرتِ الأمورَ أعظم من الرجال، وكانت تجلس من وراء سترٍ خفيفٍ، والعارضُ والوزيرُ جالسان بين يديها يخاطبانها وتخاطبهما، وهما يُنفِّذان الأمور، وكانت قد عزمَتْ على قَبْضِ شمس الدولة، فهرب إلى قُم.
وفيها كانت وقعةٌ عظيمةٌ بين السُّنَّة والشيعة ببغداد، وسببها أنَّ بعضَ الهاشميين من أهل باب البصرة قصدَ أبا عبد الله محمَّد بن النعمان المعروف بابن المعلم - فقيه الشيعة - في مسجده بالكَرْخ بدرب رياح، ونال منه، فثار أصحابه، واستنفروا أهل الكَرْخ، وصاروا إلى دار القاضي أبي محمَّد ابن الأكفاني وأبي حامد الإسفراييني، فسبُّوهما وشتموهما، ونشأتِ الفتنة، وركب صاحبُ المعونة، واجتهد في كفِّ العامة، وكتب إلى عميد الجيوش وهو بالنُّعمانية، واتَّفق أنَّ أبا حازم محمَّد بن الواسطي أحضر مصحفًا إلى دار الخلافة، ذُكِرَ أنَّه مصحف عبد الله بن مسعود، فقُوبِلَ بمصحف عثمان