للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- رضوان الله عليه - والمصاحفِ المألوفة، فخالفها، فجمع القضاةَ والأشرافَ والفقهاءَ في رجب في دار الخلافة، وأخرج المصحف إليهم، وسُئِلوا عنه، فأفتى أبو حامد الإسفراييني بتحريقه، فأُحرِقَ بمحضرٍ منهم، وبلغ الخليفةَ أنَّ رجلًا كيَّالًا - يُعرف بابن قَراح - حضر المشهد بالحائر ليلة نصف شعبان، وسبَّ مَنْ أحرقَ المصحف، فتقدَّم إلى صاحب المعونة بالقبض عليه، وأمر بقتله، وكان من الشِّيعة، وتولَّاه جماعةٌ من الأتراك، فقُتِلَ بالحَلَبة (١) لتسعٍ بَقِينَ من شعبان، وثارَ أهلُ الكَرْخ، ووقعت الفتنة بين السُّنَّة والشيعة، وقصَدَ أحداثُ الكَرْخ دارَ أبي حامد، فانتقل عنها إلى دار القُطْن، وصاحوا: حاكم يا منصور. وبلغ القادرَ، فأنفذ الخَوَل (٢) الذين على بابه لمعاونة السُّنَّة، وتكاثرت الجموع، وساعدَهم الأتراك، وأحرقوا بعض الكَرْخ ومُعْظَم الأسواق ونهبوها، وركب نوَّابُ المملكة، وعاتبوا الغِلْمان التُّرك، ورَدُّوهُم وقصد من الغد الأشرافُ والطالبيُّون ووجوهُ التُّجارِ بالكَرْخ دارَ الخليفة، وتبرَّؤوا مما فعله السُّفهاء، وسألوا حِراستَهم في منازلهم، فعفا القادرُ عنهم، وروسِلَ عميدُ الجيوش، فدخل بغداد في حادي عشر رمضان يوم الخميس، فأخرج ابنَ المعلم إلى سُوراء (٣)، وقبض على رؤوس الفتنة، وقتلَ البعض، وحبسَ البعض، وقامتِ الهَيبة، ورجع أبو حامد إلى داره، ومُنع القُصَّاصُ من الوعظ، وشفع أبو الحسن علي بن مَزْيد في ابنِ المُعلِّم، فرُدَّ إلى منزله، وراسل القادرُ عميدَ الجيوش في معنى القُصَّاص والوُعَّاظ، فردَّهم، وشرط عليهم أن لا يتكلَّموا في ما يوجب الفتنة، واستقامت الأمور.

وفيها زُلزِلَتِ الدِّينَور، فَهُدِمَتِ المنازلُ، وأهلكَتْ أكثرَ الناس. وقيل: أهلكَتْ ستة عشر ألف إنسان سوى مَنْ ساخَتْ به الأرض، وخرج مَنْ سَلِمَ من البلد إلى الصحراء، وبَنَوا لهم أكواخًا من القصب، وذهب من الأموال والأمتعة ما لا يُعَدُّ (٤) من البلد ولا يُحصى.


(١) الحَلَبة: محلة واسعة في شرقي بغداد. معجم البلدان ٢/ ٢٩٠.
(٢) الخَوَل: الحشَم. الصحاح (خول).
(٣) سُوراء: موضع إلى جنب بغداد. معجم البلدان ٣/ ٢٧٨.
(٤) في (خ) و (ب): يُحدُّ، والمثبت من (م) و (م ١).