للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في سيف الدولة بن حمدان: [من البسيط أيضًا]

وواصلَتْني صلاتٌ منكَ رُحْتُ بها … أختالُ ما بين عزِّ الجاهِ والمالِ

فلينظُرِ الدهرُ عُقبى ما صبرتُ لهُ … إذْ كان من بعضِ حُسَّادي وعُذَّالِ

يا عارضًا لم أشِمْ مُذْ كنتُ بارِقَهُ … إلَّا رَويتُ بغيثٍ منهُ هطَّالٍ

رُويدَ جودِكَ قد ضاقَتْ به هِمَمي … وردَّ عنِّي برَغْمِ (١) الدَّهرِ إقلالي

لم يبقَ لي أملٌ أرجو نَدَاك بهِ … دَهري لأنَّكَ قد أفنيتَ آمالي

وكتب إلى المحسن بن علي القاضي التنوخي (٢) يتوجَّع له من محنةٍ لحِقَتْه: مُدَدُ النِّعم - أطال اللهُ بقاء سيدنا القاضي - بغفلات المسارِّ، وإن طالتْ، أحلامٌ، وساعاتُ المِحَن، وإن قَصُرَت بشوائب الهموم، أعوامٌ، فأحْظانا بالمواهب من ارتبطها بالشكر، وأنهضُنا بأعباء المصائب مَنْ قاومها بعُدَد الصبر، إذ كان أوَّلُها بالعِظَةِ مُذكِّرًا، وآخرها بمضمون الفرج مُبشِّرًا، وإنما [يتمسكُ بتفريط العجزِ، ويُفسد] ضالَّة الحكمة مَنْ كان بسنةِ الغفلة مغمورًا، وبضعفِ الرأيِ والمِنَّة مقهورًا، وفي انتهازِ فُرَصِ الحزم مُفرِّطًا، ولمَرْضيِّ ما اختاره الله مُتَسخِّطًا، وسيِّدُنا القاضي أنوَرُ بصيرةً، وأَطْهَرُ سريرةً، وأكملُ حزمًا، وأنفَذُ مَضاءً وعزمًا، من أن يتسلَّطَ الشكُّ على يقينه، أو يقدحَ اعتراضُ الشُّبهِ في فتوَّتِه ومروءتِه ودينِه، فليتلَقَّ قضاءَ اللهِ بالرضا والتسليم، فهو ممن قال الله فيهم: ﴿إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٩].

وكانت وفاتُه في شعبان، ومن شعره: [من مجزوء الكامل]

أشتاقُهُ فإذا بدا … أطرقتُ (٣) من إجلالِهِ

وأصدُّ عنه إذا دنا … وأرومُ طيفَ خيالِهِ

لا خِيفةً بل هَيبةً … وصيانةً لجمالِهِ

فالموتُ في إعراضِهِ … والعيشُ (٤) في إقبالِهِ


(١) في تاريخ دمشق: بعزم، والمثبت من النسخة الخطية، وهو الموافق لما في تاريخ بغداد واليتيمة وغيرها.
(٢) الفرج بعد الشدة ١/ ١٥٢ وما بين حاصرتين منه.
(٣) في تاريخ دمشق: أعرضت.
(٤) في تاريخ دمشق: والموت.