وشرع سرًّا في مراسلة الأطراف الذين يَلُونَ بلاده، فاشتغَلَ ابنُه هلال بقتالهم، وكاتب بهاءَ الدولة وأخبره بما جرى عليه، وكل هذا ولا يعلم هلالٌ به، فكتب إليه بهاءُ الدولة يَعِدُه بإعادته إلى موضعه، وكان بدرٌ قد استدعى عميدَ الجيوش لنصرته؛ لقُربه منه، ولم يطمع في فخر الملك؛ لأنه كان بنواحي خوزستان، بعيدَ الدار، وكان بدرٌ قد ضمن لبهاء الدولة مالَ القلعة، فكتب بهاءُ الدولة إلى عميد الجيوش أولًا أن يسير إلى نُصرة بدر، فطلب مالًا يُفرِّقه في الجند، وكان عنده شيءٌ يسيرٌ لم يقُمْ بهم، وتباطأ في المسير، ثمَّ سار قليلًا، وجهَّز بهاءُ الدولة فخرَ الملك، وكتب إلى عميد الجيوش بالرجوعِ إلى بغداد والتشاغلِ بأمر قِرْواش، فعزَّ عليه، وكتب إلى بهاء الدولة أن يُشْرِكه مع فخر الملك، فأبى وقال: أقِمْ مكانَكَ ببغداد. فكان أول أسباب علَّةِ عميد الجيوش منعُه ممَّا أراد، فانكفأ إلى بغداد مهمومًا مَغمومًا كئيبًا، ومرض مرضتَه التي مات فيها، وكان فخرُ الملك مقيمًا بشيراز، فسار منها بالعساكر نحو بدر وهو مسرور؛ كونُه لم يتوجَّه نحو بهاء الدولة؛ لأنه كان خائفًا منه، وقد تنكَّر عليه، وهَمَّ بقبضه غيرَ مرة ويمنعَهُ أبو الخطاب الحاجب، وسار فخر الملك، فنزل قريبًا من سابور، وقدِمَ جماعةٌ فنزلوا على سابور خواست، وأمِنَ أهلُ البلد، واستولوا على ما فيه من الخزائن وغيرها، فجاءهم الخبر بأنَّ هلالًا فَتح نهاوند، وقتل خلقًا من الدَّيلم، وأنه عائدٌ إلى سابور خواست، فأراد مَنْ كان فيه من أصحاب فخر الملك الخروج ليصل فخر الملك، ففكَّروا وقالوا: يطمَعُ فينا أهلُ البلد، ويكون هزيمةً، فأقاموا ليلتهم، وصبَّحهم فخرُ الملك، والقلعة عاصيةٌ يضرب أهلُها الدبادبَ والبوقاتِ فرحًا بفتح هلالٍ نهاوند، وفخر الملك نازلٌ في الخِيَم، ودخل الدَّيلم إلى البلد، وتفرَّقوا في الدُّور، وفيها آلات الشتاء من الفواكه اليابسة والمكسود (١) والخمور وغيرها، فاشتغلوا بالنَّهب، فبعث فخر الملك فأخرجهم من الدُّور إلى الخِيَم، وبدَّد ما كان فيها من الخمور، وفعل الاحتياط، وبينا هو على هذا إذ جيء برجلٍ معه كتابٌ من هلال إلى بعض أصحابه، عنوانُه: من نهاوند، فقال له: أين تركتَه؟ قال: بنهاوند. فتأمَّل الكتاب، وهو خطٌّ طريٌّ، فعلم أنَّه مصنوع، فأمر بتقريره، فلمَّا رأى العذاب اعترف
(١) المكسود: طعام يطبخ بالدهن واللبن، وهو حار يابس يضرُّ بالقولنج. الآداب الشرعية ٢/ ٤٢١.