بأنه خديعةٌ من هلال، فقال له: اذهَبْ إلى هلال وقُلْ له: لستُ ممَّنْ تجوز عليه الحِيَل، وواللهِ ما أُوثِرُ أن أظفر بهذه القلعة والمملكة وأحوزُها بغير قتال، فإنَّه ليس عليه طلاوة، ولا له حلاوة، ولستُ كمن تعرفُه فاقبَلْ على اللقاء والسِّلم. ووهب للرجل شيئًا وأطلقه، فلمَّا كان في الليل ارتفع الصياح من نواحي العسكر، وكبَسَهم هلالٌ، وجاء في تلك الساعة رسولُ بدر إلى فخر الملك يخبره بوصوله، فاستشعر، وخاف أن يكون اتَّفق هو وهلال على كبس العسكر، ثمَّ ركب الوزير في الليل، وسبق أصحابَه إلى القنطرة فملكوها، وجاء هلال في الليل ومعه الأكراد، فقتلوا من الدَّيلم جماعةً، وأسفر الصُّبحُ، ورتَّب الوزير ميمنةً فيها خُمارتكين، وميسرةً فيها بدر، ووقف هو في القلب، فأرسل هلالٌ إلى فخر الملك يقول: ما جئتُ لأقاتِلَكَ، بل لأنزل على حُكْمِكَ. فأرسل فخرُ الملكِ إلى بدر يُعرِّفه ذلك، فقال: لا تسمع منه، فإنها خديعةٌ لتُنَفِّسَ من خناقه، ويجتمعَ إليه الأكراد، فما جاء إلَّا في قلَّة، والباقون متفرِّقون، وقد بعث مَنْ يجمعهم، ثمَّ حمل بدر، فانهزم القوم، وأُخِذَ هلالٌ أسيرًا، وجيء به إلى فخر الملك، فقبَّل الأرض بين يديه، وقال: أيها الوزير، قد ملكتَ، ومن عِظَم نعم الله عليك أن تحرس دمي ولا تُسلِمَني إلى أبي. فأعطاه يدَه على ذلك، وطلب منه تسليمَ القلعة، وكانت أمُّه فيها، فأعطاهم علامةً كاذبةً، فبعث به مع جماعةٍ من الدَّيلم إلى تحت القلعة، وأوقفوه، وجرَّد واحدٌ سيفه، وقال: واللهِ لئِنْ لم تُسلم لأضربنَّ عُنقَك. فصاحت أمُّه: أُريد خاتم الوزير على الوفاء لهلال. فأعطاها خاتمَه، وبقي عندها إلى أن قُتِلَ بدرٌ، وأُطلِقَ هلالٌ، وورَدَتْ إلى بغداد، فدفعتْه إليه، وصعِدَ الوزيرُ القلعةَ، واحتاط على الأموال، فنهبَ، ورأى شيئًا لم يَرَه، فقيل: كان فيها عشرون ألف ألف بدرة وثلاث مئة ألف ألف درهم، ومن الجواهر والأمتعة ما لا يُحَدُّ ولا يُوصَف، وبعث الوزيرُ إلى بدرٍ يقول: ادخُلِ البلدَ، وانزِلْ في دارِكَ، وتصرف. فقال: أنتَ أولى بالنزول فيها. فامتنعَ فخرُ الملك وأحضره بعد أيام، وخلعَ عليه خِلَعَ السَّلطنة، وقام له، وأجلسه إلى جنبه، وأكرمَه إكرامًا عظيمًا، وكتب بدرٌ إليه ورقةً يطلب منه من مال القلعة عشرةَ آلاف دينارٍ على وجه القرض؛ ليُفَرِّقها في الحاشية، فبعث إليه بها، ولمَّا بعثَ بالأموال إلى بهاء الدولة بعث بالورقة معها، وقال: يا مولانا، اعرِفْ شُكرَ نعمةِ اللهِ