للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليكَ فيما أعطاك، هذه ورقة بدر يسألني قَرْضَهُ عشرةَ آلاف دينارٍ من ماله الذي ذخره طولَ عُمُره، وشحَحِ به على الملوك.

ودخلَ بدرٌ إلى داره، ودخل الوزير إليه مهنئًا له، فتلقَّاه بدرٌ وجلس بين يديه، ثمَّ شرع الوزير في حمل المال إلى أَرَّجان، فنقله في عدَّة دفعات، فكان يُطرَحُ بين يدي بهاء الدولة على الأنطاع، فيسقطُ منه تراب، فجُمِعَ الترابُ وسُبِكَ، فكان نيِّفًا وخمسين ألف درهم، وكتب فخر الملك إلى عميد الجيوش: قد حصَّلتُ من مال بدرٍ كذا وكذا. ووردَ رسولُ بهاءِ الدولة على الوزير يطلب ما بقيَ في القلعة من المال، ومعه ألفُ بغل، فقال الوزير: قد أخذنا من مال هذا الرجل ما أُخِذ، ولم يقع منه معارضةٌ، وليس بكثيرٍ أن نترُك له ما بقي. وكان سبعة آلاف بدرة، ليكون عدةً له ومعونةً على أمره، فامتنعَ الرسولُ إلَّا أن يأخذ المال، فقال: اذهَبْ إلى بدرٍ وعَرِّفه. فمضى إلى بدر وفاوضَه، فقال: واللهِ ما أعطيتُكم المال الذي جمعتُه طولَ عمري، ومن رأى أن أُعارِضَكم فيه وأستنزلَكم عن شيء منه، ولكنكم تعلمون أنِّي بإزاء عدوٍّ، وقد علموا أنَّ القلعةَ قد فرغَتْ من الأموال والذَّخائر، فَتطمَّعوا فيَّ، فإن رأيتُم أن تكون هذه الصبابةُ تحتَ ختومكم، فإن احتجتُ إليها وإلَّا فهي لكم. فرَضُوا بأن أخذوا ألفي بدرة، وتركوا الباقي.

وبرز الوزير مضاربَه نحو هَمَذان، بعد أن بعث هلالٌ إلى قلعةٍ بفارس، فاعتقله، وأقام بدرٌ في بلده.

وفيها ردَّ بهاءُ الدولة النظر بالعراق على فخر الملك، وسببه أنَّه لمَّا مات عميدُ الجيوش -وكان فخر الملك يريد هَمَذان- تشوَّفت نفسه إلى ولاية العراق، فوضع الدَّيلم على أن يمنعوه من المسير إلى هَمَذان، وقلعوا مضاربَه، وقالوا: قد ضجِرْنا من البَيكار (١)، وأفنَتِ الأمراضُ والموتُ منَّا العددَ الكثير، وما نسيرُ معك. وبلغ بهاءَ الدولة، فعلم أنها مواضعةٌ، وأنه إن أنكر لا يُفيد، فأذِنَ له بالمسير إلى بغداد، فسار إلى واسط، فتلقَّوه، وضربوا القِباب، وسُرُّوا بقدومه، فأسقط عنهم الضرائبَ والمكوس، وعدل فيهم، وأحسن إليهم ووصلهم، ثمَّ سار إلى بغداد، فتلقَّاه الناس


(١) البَيكار: الحرب. المعجم الذهبي ص ١٨٥.