رجلٌ تاجرٌ يُقال له: أبو الحسين أحمد بن علي بن وصيف، وبينَه وبينَ رجلٍ - يُعرف بابي الرَّيحان - أُنسةٌ، وكان لأبي الرَّيحان رهطٌ وأصحابٌ، فسأله ابنُ وصيف أن يجعله مكانَ ابنِ الحمَّامي، فقرَّره مكانَه، وجعل له مالًا كثيرًا، وقَبِلَ ابنُ أبي الريحان، فتمَّ له مرادُه، وعصى ابنُ وصيف على أبي نصر الأمير، وقاتله، وطمع فِي البلد، ثم فكَّر فخاف أن يُسلموه إلى الأمير أبي نصر، فراسله، واتَّفقا سِرًّا، واجتمع الشيوخُ إلى ابنِ وصيف وقالوا: قد ضاقَ بنا الأمرُ، والمصلحةُ أن تتَّفقَ مع الأمير ولا تُسلِم إليه شِرْوة، بل تُصالِحُه. فبعثَ إليهم وصالحهم على ذلك، وسلَّموا إليه البلد فدخله، ووَلِيَ ابنُ وصيف طبرى (١) وأنفذه إليها، وطرد المفسدين منها، وحَمَلَ شِرْوةَ إلى المكان الَّذي قُتِلَ فيه مُمهِّد الدولة فقتله وصلبه - وقيل: خنقه - وقتل أخاه وجماعةً من أصحابه، وأقام ابن وصيف مدةً بطبرى، ثم استوحشَ، فخرج إلى العراق.
وبعثَ ابنُ دِمْنة إلى أبي نصر يُهنِّئه بأخذ ميَّافارقين، وبعث له الهدايا والملاطفات على يد رجلٍ يُقال له: مِرِّيخ، له رهطٌ وعشيرة، وأختُه تحت ابن دِمْنة، فسَلَّم الهديةَ إلى أبي نصر، وخلا به، وقال: عندي نصيحةٌ. وأخذَ يدَه، وحلَّفه على ما أراد، وقال: ابن دِمْنة عاصٍ عليكَ، وإن جعلْتَني نائبًا قتَلْتُه وأرحتُكَ منه. فأعطاه أبو نصر خطَّه بالولاية والنيابة عنه، وعاد إلى آمِد، وشرع فِي استمالةِ الرجال، فلمَّا تمَّ أمْرُه دخل عليه - وكان خِصِّيصا به لا يُحجَبُ عنه - ومعه أربعةٌ من العرفاء، وابن دِمْنة جالسٌ وعنده كاتبه وفرَّاشه، فشكَوا إليه تأخُّرَ أرزاقهم، فوعدهم بإطلاقها، وأكبَّ مِرِّيخ عليه يُسارُّه فِي أمرٍ، ووثب عليه العرفاء، وضربوه بالسكاكين، وبادر الفرَّاش، فأغلق أبواب القصر، وفتح خزانة السلاح وفرَّقها فِي غلمان ابن دِمْنة، وخرج مِرِّيخ والعرفاءُ من القصر وابنُ دِمْنة يخور فِي دمه، فلمَّا رأوا الغلمانَ صعِدَ مِرِّيخ وكاتبُ ابن دِمْنَة القلعةَ فِي القصر، وفيها أختُ مِرِّيخ - زوجةُ ابن دِمْنة - وأولادُه وجواريه، ولم يُغلِقا البابَ من ورائهما؛ لشدة الخوف، ومال الفرَّاش والغِلْمانُ على العُرفاء فقتلوهم، وقصدوا القلعة، فوجدوا الباب مفتوحًا، وصرخ النساءُ فِي وجوههم، فقال الفرَّاش لأخت مِرِّيح: إن أخاكِ قتلَ زوجَكِ، ولا بُدَّ من قَتْلِه. وهجم
(١) هكذا فِي الأصل، ولعلها طَبَرَك: وهي بالقرب من الري. معجم البلدان ٤/ ١٦.