للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد ربَّتْه، وخطب ابنةَ لؤلؤ - وكان يُدافِعُه ولا يراه كفؤًا لها - فظَنَّت أنَّه يتزوج البنتَ وتعتضدُ به، ويكون لها موئلًا وملجأً، فخرجت من حلب ومَنْ معها على الحمير وهُنَّ مُتَّزِراتٍ، فلمَّا حصَلْنَ عند صالح فِي الحِلَّة أحضر الجواري وفرَّقهنَّ فِي بيوته، ووهَبَهُنَّ لنسائه، فقالت له والدة ابن لؤلؤ: ما كان هذا ظنِّي فيكَ، ولقد كُنْتُ أظنُّ الوصلةَ بِكَ، وتنتقلُ الجواري مع البنتِ إليكَ. فقال: أنا رغبتُ فِي مصاهرتكم لمَّا كان ابنُكِ أميرَ حلب وصاحبَ القلعة وله الأموالُ والذخائرُ، فأمَّا الآن فأنتِ والصبيَّةُ ومَنْ معها إمائي. فقالت: يا صالح، سبَيتَنَا ونحنُ اخترناكَ! ما هذا ذِمامُ العربِ، ولا فِعْلُ الناس، وسوف ترى. فأمر بحمل والدة ابنِ لؤلؤ والصبيِّةِ وبعضِ الجواري إلى حِصْنِ مَنْبج، فاعتقلهنَّ فيه.

وأمَّا العساكر الحاكمية فجاءت إلى حلب مع علي بن أحمد بن الضيف ومعه توقيع الحاكم بتسويغه (١) جميعَ ما فِي قلعة حلب، إلَّا السلاح، ولقَّبه مبارك الدولة، وأمره بتسليم القلعة والبلد إلى ابن الضيف، فسلَّمها إليه، فدخلَ البلدَ، وعدلَ فِي الناس، وأحسنَ السيرةَ، وأزال المُؤَنَ والرُّسومَ التي جدَّدَها ابنُ لؤلؤ، وسار الفتحُ إلى صور والأماكن التي أُقْطِعها، وخرج معه ما كان فِي القلعة من أموال بني حمدان، وبعثَ إلى الحاكم بهدايا مبلغها خمس مئة ألف دينار، وأقام بصور والأماكن إلى أن تُوفِّي الحاكم وارتُجعَتْ منه.

وأمَّا ابنُ لؤلؤ فأحسنَ إليه بسيل ملك الروم، وأقطَعَه ضياعًا كثيرة، وقرَّر له المُقام بناحيةٍ تُعرف بسحلون بينها وبين حلب عشرةُ فراسخ، ووعده بما طابت به نفسُه، واستدعى منه إنفاذ أبي الجيش وطارق أخويه وولديه إلى القسطنطينية رهائن، فبعثهم، وشرع يستميل الحمدانية بموافقةٍ مِنْ بسيل، وكاتب بسيلُ البِطْريقَ المقيمَ بأنطاكية يأمره بأن يُمِدَّه بما يطلبه من مالٍ ورجالٍ، وأقام ابنُ لؤلؤ على هذه الحال، ومات بسيل، وقام أخوه قسطنطين فأقرَّه على ذلك، ولم تزَلْ حلبُ تنتقل من والٍ إلى والٍ إلى أن حصل فيها غلامٌ من الحمدانية ويُلقَّبُ بعزيز الدولة فاتك، كان الحاكم قد رفَعَه واصطنَعَه، فحدَّثتْه نفسُه بالعصيان، فسكنَ القلعةَ، وجعلَها دارَه، ومات الحاكم، ونظرت أختُه ستُّ الملوك فِي الأمور بعدَه، فزاد طمَعُه فِي البلد، فسلكَتْ معه سبيلَ اللُّطفِ والمُغالطة، وواصلَتْه بالخِلَعِ والإحسان، حتَّى وافقت بعضَ أصحابه على قتلِه،


(١) أي: بإعطائه. ينظر معجم متن اللغة ٣/ ٢٥٠.