إلى باب البلد، فكسروا أقفالَه، وخرج وهو يقرأ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ … ﴾ الآية [آل عمران: ٢٦].
واجتمعَ الجندُ والعامَّةُ فنهبوا الدارَ والخزائنَ، وطرح الجواري النارَ فِي أطراف الدار، ورفعَ الفتحُ الشُّموعَ والمشاعِلَ على سور القلعة، ونادى بشعار الحاكم، وأصبح الناسُ وقد أُحرِقَتْ دارُ ابنِ لؤلؤ، ونُهِبَ ما كان له ولأخوتِه، من مالٍ وغَلَّةٍ وفُرُشٍ وثيابٍ وأثاثٍ وكُراعٍ وغيره.
وتوجَّه ابنُ لؤلؤ طالبًا أنطاكية، وذلك فِي آخر رجب من هذه السنة، وضلُّوا عن السكَّة، فالتقَوا رجلًا، فأخذوه، فدلَّهم على الطريق، وأعطاهُ ابنُ لؤلؤ دينارًا، وقال: ما اسمُكَ؟ قال: حَنين. وبلغَ بِطْريقَ أنطاكية وصولُه، فخرج إليه بصُلبانه وعساكره، فتلقَّاه وأنزله دار البُرجيِّ، وأكرمَه، وحمل إليه الضيافات، وكتب إلى بسيل ملكِ الروم يُعَرِّفُه حصولَه عنده وما جرى عليه، وكتب ابن لؤلؤ إلى الملك يَمُتُّ بخدمته وخدمة والده، وأنه قد استجارَ به، وطلب مساعدتَه ونُصرتَه.
وأمَّا أمُّ ابنِ لؤلؤ فإنها جمعت بقيةَ أولادِه وحُرَمِه فِي بعض المساجد على حالٍ تُبكي العيون وتَجرح القلوب.
وولَّى الفتحُ البلدَ أبا المُرَجَّى بن المستعاد، فركب، وسكَّنَ الناسَ، وأحضرَ فتحٌ القُوَّاد والوجوهَ، وأخبرهم أنَّ ابنَ لؤلؤ غدرَ به، وكان على عزم الفَتْكِ به، فصوَّبوا رأيَه فيما فعل، فأجراهم على إقطاعاتِهم، وأعطاهم الأموال، واستحلفهم للحاكم، فحلفوا، وبعث إلى والدة ابنِ لؤلؤ بالصعود إليه مع الحُرَمِ والجواري ليتولَّى رعايتهنَّ وصيانتهنَّ، وقال: إن شئتِ ألحقتُكِ بوَلَدِكِ. فأجابَتْه بالغِلْظة وقالت: ضيَّعْتَ حقوقَنا، وأخرجْتَنا عن مِلْكِنا، وسلبْتَنا نعمَتَنا، وتُخيِّرني! فقال: هذا بإزاء ما عاملْتُم أولادَ سعد الدولة مولاكم، وكفَرْتُم إحسانَه إليكم.
فاختارَتْ أن تخرجَ إلى صالح بن مِرْداس، وجاء إلى الفتح وصَعِد القلعة، وهنَّأْه، وتحالفا، وحملَ إليه الفتحُ مالًا وثيابًا وآنيةَ ذهبٍ وفضَّةٍ، وقاد إليه خيلًا. وأرسلت والدةُ ابنِ لؤلؤ إلى صالح تقول: قد اخترتُ الحصولَ عندك، والمُقامَ معك. فأجابها بأحسن الوعد، فخرجت بالحُرَمِ ومئةِ جارية، وكان سببُ اختيارِها صالحًا أنها كانت