ابنُ لؤلؤ بالمرض حجب الناسَ عنه، واشتدَّ الإرجاف بموته، فصَعِدت والدتُه إلى الفتح، وقالت: إنه فِي حال العدم، يريد أن يُوصي إليك. فأظهرَ الانزعاجَ لمرضه، واعتذر عن النزول بضعف البدن، وربما تولد من نزولي فسادٌ من العامَّة، فيحضر القاضي والشهود ويوصي إلى من يريد، وأكون مساعدًا فِي الأمر، فيئِستْ منه، وعادت وابنُ غانمٍ يُحذِّرُه.
وكانت سيرةُ ابنِ لؤلؤ فِي الرعية سيرةً قبيحةً، ونياتُهم له فاسدةً، ففتح بابَه، وأظهر العافية، وجاءت كتبُ الحاكم إلى الفتح بما يريد، وأقطعَه صورَ وصيدا وبيروتَ وارتفاعها نحو مئة وخمسين ألف دينار، وأنه قد كاتب علي بن أحمد بن الضيف بالمسير إلى حلب، فقوي عَزْمُ الفتح، واستشار ابنَ غانم، فقال: هذا أمرٌ قد طال، وابنُ لؤلؤٍ معك فِي البلد، وأخاف عليك منه، ولم يبْقَ للصُّلحِ وجهٌ، فاستَمِلِ الرجال الذين معك فِي القلعة، وابذُلِ المال وكاشِف. فبذلَ المال، واستمال الرجال، وكتب إلى ابن الضيف بالمبادرة، وعزم على المكاشفة فِي ليلة بعينها.
وكان للفتح دارٌ بالمدينة، فبعث تلكَ الليلة خادمَه حَفَّاظًا فِي ثلاثين رجلًا من غلمانه بالسلاح، فأخذوا ما كان فِي الدار من مالٍ وأثاثٍ وجَوارٍ، وصَعِدوا القلعةَ، فصادفهم صاحبُ المعونة، فقال: ما هذا؟ فشتموه، ولعنوا ابنَ لؤلؤ، وكاشفوا بالخلاف، فركب ابنُ لؤلؤ بنفسه، وصاح: يا فتح، اللهَ اللهَ أن تُشمِتَ بيَ الأعداء، وتُضيعَ ما أوجبه الله عليك من حقِّي، وأنا أبذل لك كلَّ ما تريد من يمين ووثيقة. فقال له الفتح: هيهاتَ! فاتَ الأمرُ، وخرج عن يدي، ولا يمكنُ التَّلافي، فخُذْ لنفسك، وقد أنظرتُكَ إلى نصف الليل، فإن خرجْتَ عن البلد فقد أفلَتَّ، وإن أقمتَ كنتَ مخاطِرًا مغرورًا. وانصرف الفتحُ، وعادَ ابنُ لؤلؤ إلى داره، وقال لأخيه: ما فعلَ الفتحُ هذا إلَّا عن قاعدةٍ مع المغاربة، والساعةَ نوافي صالحَ بن مِرْداس إلى باب البلد، فإن أقمنا وقاتلنا لم نأمَنْ مَنْ عندنا، وإن حاولنا لم نجدْ مذهبًا، والمصلحة الخروج. فبينما هما فِي الخطاب إذ زحَفت العامَّةُ إلى الدار، وهجموا عليهما، فخرجا هارِبَين على وجههما، وتَرَكا الأموال والحُرَمَ والكُراعَ والنَّعَم، وركب ابنُ لؤلؤ فرسَ النُّوبة، وأخذ معه عشرين ألف دينار، وخرج معه أخَواه، وأربعةُ أولادٍ، وعشرُ غِلْمَةٍ صِغار، وبعضُ حُجَّابه، وجاؤوا