للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفتح، فيتولَّد منه فسادٌ لا يُتدارك، فاستحلف سرورًا على ذلك، وأنه يكتم الأمر حتى يصعد أبو الجيش القلعة، كأنه يتفقَّد الخزائن، ويولِّي سرورًا، ويقبض على الفتح.

وكان سرورٌ صديقًا لابن غانم، وكثيرَ الأُنس به، فجاءه وشكا إليه خوفه من ابن لؤلؤ، وأنه على وجَلٍ من مصادرته، فقال له سرور: اصبِرْ، فقد تجدَّد أمرٌ، أنا أُبلِّغُكَ ما تُريده. فقال: ما هو؟ فقال: لا يُمكِنُ ذِكْرُه. فألحَّ عليه، فاستحلفه على كتمانه، فحلف له، فاسترسل إليه وأخبره الخبر، فعاد ابنُ غانم إلى ذِكْرِه، وبعث إلى الفتح، فقال: قد تجدَّدَ أمرٌ لا يحتمل الرسائل، ولا بُدَّ من الاجتماع. فقال للفتح: تنكَّرْ والبَسْ ملبوسَ النساء، واصعَدْ إليَّ بين العشاءين. ففعلَ ابنُ غانم، وصعد إليه، فأخبره بما جرى، قال: فما الرأيُ عندك؟ قال: تكتُبُ إلى الحاكم، وتُسلِّمُ إليه القلعة، وتكتبُ إلى علي بن أحمد بن الضَّيف المقيم بفامية وتجعله الواسطة، ففعل الفتحُ ذلك، وأمر ابنُ لؤلؤٍ أخاه أبا الجيش بالصعود إلى القلعة، وأن يستصحب سرورًا، فبعثَ أبو الجيش أحدَ حُجَّابه إلى الفتح يُؤذِنه بصعوده، فقال له الفتح: قد شربتُ دواءً، فيؤخَّر الصعودُ اليوم، فإنِّي ما أسكُنُ إلى أحدٍ ينوب عني فِي فتح الخزائن، وإن لقيتَه فِي الطريق فرُدَّه. فعاد أبو الجيش إلى أخيه وأخبره الخبر، فقَلِق وأحضر والدتَه وعرَّفَها ذلك، فقالت: لا تقْلَقْ، واسلُكْ سبيل المُداراة مع الفتح، وأنا أصعدُ اليوم. وصعدَتْ، فأكرمها الفتحُ، واعتذر إليها من ردِّ أبي الجيش، وقال: أنا على طاعة مولانا مرتضى الدولة، وعُذري واضح. فقالت: اعتقادُكَ معروف، وعذرُك مقبول، وولدي منك على الثقة التامَّة، وإنما خاف أن يسبِقَ إلى قلبِكَ شبهةٌ، أو تعتريكَ وحشةٌ، وقد أنفذني إليك. فقال: أنا مملوكه، وقد كُنْتُ سألتُه إعفائي من هذا الموضع؛ لأني قد كبِرْتُ وضعُفْتُ وأكون ملازمًا خِدْمتَه، فنزلَتْ وهي مسرورةٌ بما سمعت منه، وأغفلَ ابنُ لؤلؤ الأمرَ مدَّةً تأنيسًا للفتح، ثم أرسل إليه يطلب صندوقين كان فيهما جوهرٌ له قيمة، فقال الفتح: هذا يومٌ مذمومٌ، والمصلحةُ لا يُنقَلُ فيه شيء. فعاد الرسول إلى ابن لؤلؤ فأخبره، فقَلِقَ، وعلم أن المكاشفة لا تغني؛ لأنَّ أمواله وذخائرَه فِي القلعة، فقال لأمِّه وأخته: ما الرأي؟ قالتا: أَظهِرْ أنك مريض، واطلُبِ الفتحَ لتوصي إليه، فتمارض أيامًا، وكان ابنُ غانم يبحث عن الأحوال، ويعرف للفتح ما يتجدَّد، فلمَّا تظاهر