وبلَغَه أنَّ جماعةً من أصحابه [عاثوا بالبلاد، و] أفسدوا الزروع، فعمل لهم دعوةً قدَّم فيها أنواع الأطعمة، ولم يُقدِّم [فيها] خبزًا، فقعدوا ينتظرون الخبز، فقال: كلوا. فقالوا: أين الخبز؟ فقال: أفسدتُموه، واللهِ لئِنْ تعرَّضَ أحدٌ منكم لزرع لأقتُلَنَّه بسيفه.
وكانت صدقاتُه جاريةً على القُضاةِ والأشرافِ والعلماءِ واليتامى والمساكين والزَّمنى والضعفاء، وكان يصرف فِي كلِّ سنةٍ ألفَ دينار إلى عشرة رجالٍ يحجُّون عن أبيه وعن عضد الدولة؛ لأنه كان السببَ فِي ولايته، ويتصدَّقُ فِي كل جمعة بعشرة آلاف درهم على الضعفاء والأرامل، ويصرف فِي كل سنة إلى الأساكفة والحذَّائين الذين بين هَمَذان وبغداد ثلاثة آلاف (١) دينار؛ ليقيموا الأحذية للحاجِّ والمنقطعين، و [كان] يصرف إلى تكفين الموتى كلَّ سنة عشرين ألف درهم، ويعمر القناطر والجسور، واستحدث فِي أعماله ثلاثة آلاف مسجدٍ وخانٍ للغرباء، ولم يمُرَّ بماءٍ جارٍ إلَّا وبنى عنده قريةً، وكان يُنفِذُ فِي كلِّ سنة إلى الحرمين الصدقات، ومصالحِ الطريق مئةَ ألفِ درهم، ويُعطي خِفارة الحاجِّ تسعةَ آلاف دينار، ويُنفِذُ إلى بغداد إلى العلماء والأشراف مئةَ ألف درهم، وكذا لأرباب البيوتات، وكان إذا مات أحدٌ أبقى على ولده ما كان له، وكان كثيرَ الصوم والعبادة.
ذِكْرُ مقتله:
وسببه أنَّ أبا الوضاح حسين بن مسعود الكردي كان مواليًا لبدر، واعتقادُ بدر فيه الجميل، فلمَّا خرج هلالٌ على أبيه قاتله مع هلال وظاهر عليه، فلمَّا عاد بدرٌ إلى حاله سار إلى حسين، وحصره فِي قلعة، ونهبَ أعماله، وأقام بدرٌ مدة طويلة على حصاره، فهمَّ حسين بالنزول إليه لمَّا ضاق عليه الأمر، ثم خافه على نفسه، وكان بدرٌ قد أفنى الأكراد النوربكان، وبقي الجُوزَقان، فهجم الشتاء وهُم على القلعة، واشتدَّ البرد، فتحالف جماعةٌ من الجُوزَقان على قتل بدر، وعرف دُلَف بن مالة الكردي ذلك، فقال له: إن الجُوزَقان قد تحالفوا على الفتك بِكَ، وراسلوا حسينًا وراسلهم، والصواب أن
(١) فِي (م) و (م ١) ألف، والمثبت موافق لما فِي المنتظم ١٥/ ١٠٥.