للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو القاسم الأزهري: قدم الحاكم بغداد قديمًا، فقال لأصحاب الحديث: ذُكِرَ لي أنَّ حافِظَكم -يعني الدارقطني- خرَّجَ لشيخٍ واحدٍ خمسَ مئة جزء، وتكلَّم على كلِّ حديثٍ منها، فأروني منها بعضَ تخريجه. فقالوا: نعم. وحملوا إليه بعضَها، فنظر فِي أول جزء من الأحاديث التي خرَّجها الدارقطني لأبي إسحاق الطبري، وأول الأحاديث: عن عطيّة العوفي، فقال: عطية ضعيف. ورمى الجزءَ من يده، وقال: أولُ حديث عن عطية، ولم ينظُرْ فِي شيءٍ منها.

قال الخطيب: مات الحاكم بنيسابور فِي صفر، ودُفِنَ بها، وكان يومًا مشهودًا.

قال المصنف : قد وقفتُ على "المستدرك " و"الإكليل" و"التاريخ" و"المدخل إلى معرفة الإكليل"، وذكر فِي كتاب "المدخل" (١) فقال: أهلُ العراق والحجاز والشام وغيرُهم يشهدون لأهل خراسان بالتقدُّم فِي معرفة الصحيح؛ لِسَبْقِ الإمامين البخاري ومسلم إليه، وقد صنَّفتُ على كتاب كل واحد منهما فِي الصحيح والسقيم ممَّا اتَّفقا عليه واختلفا فيه، وأنا مُبيِّنٌ مِنْ ذلك ما فيه مَقْنَع إن شاء الله تعالى:

قال: الصحيح من الحديث ينقسم عشرة أقسام؛ خمسةٌ منها متفق عليها، وخمسةٌ منها مختلفٌ فيها:

فأمَّا القسم الأول من المتَّفق عليه فأخبار البخاري ومسلم، وهو الدرجة الأولى من الصحيح، ومثالُه الحديث الَّذي يرويه الصحابيُّ المشهورُ بالرواية عن رسول الله ، وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية، وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور، وله رُواةٌ ثِقات، ثم يكون شيخُ البخاريِّ أو مسلمٍ حافظًا متقنًا مشهورًا بالعدالة بهذه الدرجة الأولى من الصحيح، والأحاديث المرويَّة على هذا الشرط لا يبلغ عددُها عشرةَ آلاف حديث.

والقسم الثاني من الصحيح: فهو نقلُ العدلِ عن العدلِ برواية الثقات، وليس لهذا الصحابي إلَّا راوٍ واحد، ومثاله: حديث عروة بن مُضرِّس الطائي قال: أتيتُ رسول الله وهو بالمزدلفة، فقلت: أتيتُكَ يا رسول الله من جبل طيِّئ أتعبتُ


(١) المدخل إلى الإكليل ص ٣٦ - ٤٩.