للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقسم الثالث: فحديثٌ يرويه ثقةٌ من الثقات عن إمامٍ من أئمة المسلمين، فيُسنده، ثم يرويه عنه جماعةٌ من الثقات فيُرسلوه، كحديث سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، عن النبي أنَّه قال: "مَنْ سمِعَ النداءَ ولم يُجبْ فلا صلاةَ له إلَّا من عُذْرٍ" (١) رواه عديُّ بن ثابت، عن سعيد بن جُبير، وعديٌّ ثقة، ولكنه خبرُ واحدٍ، وهو مختلفٌ فيه.

والقسم الرابع: المُحدِّث إذا كان ثقةً، غيرَ أنَّه لا يَعرِفُ ما يُحدِّث به، فإنه لا يُحتَجُّ به.

والقسم الخامس: روايات أهل البدع والأهواء للحديث الصحيح، هل تُقبَلُ أم لا؟ اختلفوا فيه، فأجازها البخاريُّ ومسلم؛ لأن البخاريَّ روى عن عبَّاد بن يعقوب الرَّواجني، وكان صاحبَ بدعة، حتَّى كان محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: حدَّثنا الصدوق فِي روايته، المتَّهم فِي ديانته، عبَّاد بن يعقوب. وكذا مسلمٌ احتجَّ برواية أبي معاوية الضرير -واسمه محمد بن خازم- وقد اشتهر عنه الغلوّ ونحوُ ذلك.

وأمَّا غيرُ البخاري ومسلم فلا يأخذون إلَّا برواية العدل غير المتَّهم فِي دينه.

قال المصنف : وعامَّة العلماء وأربابُ السِّير قد اتَّفقوا على صدقه وثقته وورعه وزهادته وحفظه وعبادته، إلَّا الخطيب ومحمد بن طاهر المقدسي فإنهما قالا: كان يميل إلى التشيُّع. وأنكر ابنُ طاهر حديث الطير، وحديث الطير قد أخرجه الترمذي (٢) وصحَّحه، ورواه الإمام أحمد رحمة الله عليه فِي فضائل علي (٣).

وقال أبو عبد الرحمن السُّلمي: كان قد تبعه بنيسابور قومٌ من الكرَّامية أظهروا التشبيه، فراموا من الحاكم أن يرويَ لهم أخبارًا فِي التشبيه، فامتنع فكسَّروا منبره، ومنعوه الحديث، فدخلتُ عليه فِي داره فقلتُ له: لو خرجتَ وأمليتَ فِي فضل معاوية


(١) أخرجه ابن ماجة (٧٩٣).
(٢) سنن الترمذي (٣٧٢١) من طريق السدي، عن أنس بن مالك بلفظ: كان عند النبي طير، فقال: اللهمَّ ائتني بأحبِّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير فجاء عليٌّ فأكل معه. قلت: ولم يصحِّحه الترمذي، وإنما قال: حديث غريب لا نعرفه من حديث السدي إلَّا من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أنس. بل إن الترمذي رواه فِي العلل ٢/ ٩٤١، وقال: سألت محمدًا يعني البخاري عنه، فلم يعرفه من حديث السدي الكبير عن أنس، وجعل يتعجب منه.
(٣) لم أقف عليه فِي فضائل علي للإمام أحمد، ولا فِي أيِّ من مصنفاته!.