على ما يُضادُّها، وقد بلَغَنا أنَّه قال شِعرًا هو كذا كذا، فيا ليتَ شعري على أيِّ مُقامِ هَوانٍ وذُلّ هو عندنا، وقد فوَّضْنا إليه أجل المراتب والمناصب، وهي نقابة الطالبيين، وإمارةُ الحج، وعساه لو كان بمصر ما خرجَ عن جُملة الرعية، وما رأينا على بلوغ الامتعاض منَا مَبْلَغه أن تخرج بهذا الولد عن شكواه إليك، وإصلاحِه على يديك. فقال الشريفُ أبو أحمد: واللهِ ما عرفتُ هذا، ولا أنا وأولادي إلا خدمُ الحضرة المقدسة، والمعترفون بالحقِّ لها وبالنعمة منها، وكان مِنْ حُكم التفضُّل أن تهذبَ هذا الولدَ بإنفاذ مَنْ يحمله إلى الدار العزيزة، ثم تتقدم في تأديبه بما تفعل بأهل الغُرَّة والحداثة.
فقال له محمد بن الطيب: الشريفُ يفعلُ في هذا ما تراه الحضرةُ المقدَّسة، فيزول ما خامرها به، فاستدعى الشريفُ ولديه الرضي والمُرتضى، وعاتب الرضي العتاب المستوفى، فقال: ما قلتُ هذه الأبيات ولا أعرفها. فقال: فاكتُبْ خطَّكَ للخليفةِ مثل ما كتبتَ في أمر صاحب مصر، واذكُرْه بما ذكَرْتَه من الادعاء في نسبه. قال: لا أفعل. قال: فإنك تكذبني بالامتناع من مثل قولي. فقال: ما أكَذبكَ، ولكني أخاف الدَّيلم، ومَنْ للرَّجُلِ بهذه البلاد من الدعاة. فقال: يا لَلهِ العَجَب، تخاف مَنْ هو منكَ على بلادٍ بعيدةٍ وتراقبه، وتسخط مَنْ أنت بمرأى منه ومَسْمَع، وهو قادرٌ عليكَ وعلى أهلك. وتَرَدَّدَ القولُ بينهما، وغلظَ الرضيُّ الجواب، فصاح أبوه وقام، وحلف أن لا يُقيم معه في بلد، وآلَ إلى أن أنفذَ القادرُ أبا بكر بن الطيب وأبا حامد الإسفراييني، فأخذ اليمينَ على الرضي أنه لم يقُلِ الشعرَ المنسوبَ إليه ولا يعرفه، واندرجتِ القصةُ على هذا.
ذكر وفاته:
تُوفي في يوم الأحد لستٍّ خَلَوْنَ من المُحرَّم، وحضر الوزير فخرُ الملك وجميعُ الأشراف والقضاة والشهود والأعيان، ودُفِنَ في داره بالكَرْخ، ومضى أخوه المرتضى إلى مشهد موسى بن جعفر؛ لأنَّه لم يستطِعْ أن ينظر إلى تابوته، وصلَّى عليه فخرُ الملك في الدار مع جماعةٍ أمهم أبو عبد الله بن المهلوس العلوي، ثم دخل الناس أفواجًا فصلُّوا عليه، وركب فخر الملك في آخر النهار إلى المشهد بمقابر قريش، فعزى المرتضى، وألزمه العَوْدَ إلى داره، ففعل، ورثاه المرتضى بمراثٍ كثيرةٍ، منها:[من الكامل]