للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه وتعتذرُ إليه عمَّا نُقِلَ عنك. فقال: عُدْ إليَّ آخرَ النهار. فعُدْتُ، وإذا به غيرَ الذي أعهدُه، فتعلَّل عليَّ وقال: حتى أنظُر. فلمَّا كان يوم الاثنين لأربعٍ بَقِين من ربيع الأول ركبَ -على عادته- إلى مضرب سلطان الدولة، فعُدِلَ به إلى خَركاة (١)، وأُخِذَ قَباؤه وعِمامتُه، واعتُقِلَ فيها، واحتاطوا على خيمته وما فيها من الخزائن والأموال والغِلْمان والخيل وجميع ما فيها، وقُبِضَ على ولده الأشرف أبي الحسين وعلى حُجَّابه وخواصِّه، ثمَّ حُمِلَ من الخَركاة إلى مكانٍ فقتلوه، فكانت مدةُ عمره اثنتين وخمسين سنة وأحدَ عشر شهرًا وأربعة أيام قمرية، ومدَّةُ نظره في العراق خمس سنين وأربعة أشهر واثني عشر يومًا.

وكان عزَمَ سلطانُ الدولة أن يحمِلَه معه إلى أَرَّجان ويعتقله في بعض القلاع هناك، فخُوِّفَ منه، وقيل له: ما الذي يؤمِّنُكَ أن يعمل حيلةً يتخلَّص بها ويكون شرًّا على دولتك من كلِّ أحدٍ. فاستقرَّ الأمرُ على أن يَكْحُلَه ويحمِلَه مكحولًا إلى بعض القلاع، فقال له بعض أعدائه: قد عزَمَ الغِلْمان على أن يهجموا ويأخذوه من أيديكم. ولم يكُنْ لذلك أصلٌ. فقال أبو محمد بن سهلان وأبو منصور بن مَرْدوست: ما الفائدةُ في إبقائه؟ فقُتِلَ.

وكان طلق الوجهِ، حُلوَ اللفظِ، كثيرَ البِشْرِ، واسعَ الصدرِ، تنقَّل بين صغيرِ الأعمالِ وكبيرِها، واستُعمِلَ بيسير الأمور وكبيرِها، بفطنةٍ كشفت له عن بواطنِ الأسرار وخوافيها، وحنكةٍ عرَّفته مُتصرَّفاتِ الأمورِ ومجاريها.

وكتب سلطانُ الدولة إلى مؤيد الدولة (٢) ببغداد بالقبض على الأعزِّ أبي القاسم ولدِه وأسبابِه وآثارِه وودائعِه وذخائرِه، فكتم المؤيَّدُ الحال، وأرسل سِرًّا مع بعض خدمه إلى والدة الأعزِّ بأن تأخذ لنفسها وولدها قضاءً لحقِّ فخر الملك، ورعايةً لِما كان بينه وبينه، ففعلت، وصارت إلى دار الخلافة مستترة فيها، وبعث بعد ذلك مَنْ ختمَ على الخزائن وما في الدار، وقد ذكَرْنا أنَّ جُملةَ ما وُجِدَ له من العين ببغداد ستُّ مئةِ ألف ونيِّفًا وثلاثين ألف دينار، غير الجواهر والمصاغ، ووجدوا وصيَّته مكتوبةً، وفيها:


(١) الخَرْكاة: الخيمة العظيمة. المعجم الذهبي ص ٢٣٧.
(٢) في (ف) مؤيد الملك.