للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشاع الحديث في دعواه [الربوبية] (١)، فتقرَّب إليه جماعةٌ من الجُهَّال، فإذا لقوه قالوا: السلام عليك (٢) يا واحد يا أحد، يا مُحيي يا مُميت، وصارَتْ له دُعاةٌ يدعون أوْباشَ الناس ومَنْ سَخُفَ (٣) عقلُه إلى اعتقاد ذلك، ومال إليه خلقٌ كثيرٌ طمعًا في الدنيا والتقرُّب إليه، وكان اليهودي والنصراني يلتقيه وقد أسلم، فيقول له: [إلهي] (٤) قد رغبتُ في شريعتي الأولى، فيقول [الحاكم]: افعَلْ [ما بدا لك] فيرتدُّ بعد إسلامه وزاد الأمر [بالناس].

قال المصنف : ورأيتُ في بعض التواريخ بمصر أن رجلًا يُعرف بالدُّرْزي قَدِمَ مصر، وكان من الباطنية القائلين بالتناسخ، فاجتمع بالحاكم وساعده على ادعاء الربوبية، وصنَّف له كتابًا ذكر فيه أنَّ روح آدم انتقلت إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، وأنَّ روح علي انتقلت إلى أبي الحاكم، ثم انتقلت إلى الحاكم. فنفَقَ على الحاكم، وفوَّضَ الأمورَ إليه، وبلغ منه أعلى المراتب، بحيث إنَّ الوزراء والقُوَّاد والعُلماءَ كانوا يقِفون على بابه ولا ينقضي لهم شُغْلٌ إلا على يده، وكان قصدُ الحاكم الانقيادَ إلى الدُّرْزي فيطيعونه، فأظهر الدرزيُّ الكتابَ وقرأه بجامع القاهرة، فثار الناسُ عليه، وقصدوا قَتْله، فهرب منهم، وأنكر الحاكم أمره خوفًا من الرعية، وبعثَ إليه في السرِّ مالًا، وقال: اخرج إلى الشام وانشُرِ الدعوةَ في الجبال، فإنَّ أهلَها سريعو الانقياد. فخرج إلى الشام، ونزل بوادي تيم الله بن ثعلبة غربيَّ دمشق من أعمال بانياس، فقرأ الكتاب على أهله، واستمالهم إلى الحاكم، وأعطاهم المال، وقرَّر في نفوسهم التناسخ، وأباحَ لهم شُربَ الخمر والزنا وأخذ مال مَنْ خالفهم في عقائدهم وإباحةَ دمه، وأقام عندهم يُبيح لهم المحظورات، إلى أن مات بينهم، فيُقال: إنهم على اعتقاده وإلى هلُمَّ جرًّا.

ذكر هلاك الحاكم:


(١) ما بين حاصرتين -أيضًا- من النجوم الزاهرة، وجاء بدلًا منه في (م) و (م ١): ما يدعيه بإرادته من الناس ما يريده فيه، فنفرت.
(٢) بعدها في (م) وحدها زيادة: يا حاكم.
(٣) في (م ١): ومن خف.
(٤) ما بين حاصرتين هنا وفي المواضع الآتية في الخبر من النجوم الزاهرة.