للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر هلال بن الصابئ [في تاريخه، والتِّنِّيسي في تاريخ مصر، والقضاعيّ] وغيرُهم أنَّ الحاكم لمَّا بدَتْ منه هذه الأمور الشنيعة استوحش الناس منه، وكان له أختٌ يُقال لها: سِتُّ الملك، و [كانت] من أعقل النساء وأحزمهنَّ، فكانت تنهاه [عن مثل هذه الأشياء] وتقول: يا أخي، احذَرْ أن يكون خرابُ هذا البيت على يدك. فكان يُسمِعُها غليظَ الكلام، ويُهدِّدها بالقتل، وبعث إليها يقول: قد رفع إليَّ أصحابُ الأخبار أنكِ تُدخِلين الرجال إليكِ وتمكِّنيهم من نفسك. وعَمِلَ على إنفاذ القوابل لاستبرائها، فعلِمتْ أنها هالكةٌ معه. وكان بمصر سيفُ الدولة بنُ دَوَّاس من شيوخ كُتامَة، وكان شديد الحذر من الحاكم، وممتنعًا من دخول قصره ولقائه إلا في الموكب على ظهر الفرس، واستدعاه الحاكمُ إلى قصره فامتنع، فلمَّا كان يومُ الموكب عاتبه على تأخُّره، فقال له: قد خدمتُ أباك، ولي عليكم حقوقٌ كثيرة يجب لمثلها المراعاةُ، وقد قام في نفسي أنَّكَ قاتلي، فأنا مجتهدٌ في دفعك بغاية جهدي، وليس لكَ حاجة إلى حضوري في قصرك، فإن كان باطنُ رأيِكَ في مثل ظاهره فدَعْني [على] حالي، فإنه لا ضرر عليك في تأخُّري، وإن كنتَ تريدُ بي سوءًا فلأَنْ تقتلني في داري وأنا بين أهلي وولدي يُكفِّنوني ويتولَّوني أحبّ إليَّ من أن تقتلني في قصرك وتطرحني [حتى] تأكلَ لحمي الكلاب. فضحِكَ الحاكمُ وأمسكَ عنه.

وراسلَت ستُّ الملك ابنَ دَوَّاس مع بعض خواصِّها: لي إليكَ أمرٌ لا بُدَّ فيه من الاجتماع، فإمَّا تنكَّرتَ وجئتني ليلًا، أو فعلتُ أنا ذلك. فقال: أنا عبدُكِ والأمرُ لَكِ. فصارت إليه ليلًا في داره متنكِّرة، ولم تصحَب معها أحدًا، فلمَّا دخلت عليه قام وقبَّل الأرض بين يديها دفعاتٍ، ووقف في الخدمة، فأمرَتْه بالقعود، وأخلى المكان، فقالت: يا سيفَ الدولة، قد جئتُكَ في أمبر أحرس به نفسي ونفسَكَ والمسلمين، ولك فيه الحظُّ الأوفر، وأُريد مساعدتَكَ فيه. فقال: أنا عبدُكِ. فاستحلفَتْه واستوثَقَت منه، [فلمَّا حلف] قالت له: أنتَ تعلَمُ ما يقصِدُه (١) أخي فيك، وأنه متى تمكَّن منكَ لم يُبْقِ عليك، وكذا أنا، ونحنُ على خطرٍ عظيم.


(١) في (م) و (م ١): يعتقده.