وقد انضاف إلى ذلك تظاهُرُه بادِّعاء الإلهية، وهَتْكُه ناموسَ الشريعةِ وناموسَ آبائه، وقد زاد جنونُه، وأنا خائفةٌ أن يثورَ المسلمون عليه فيقتلوه ويقتلونا معه، وتنقضي هذه الدولة أقبحَ انقضاء. فقال: صدقتِ يا مولاتَنا، فما الرأيُ؟ قالت: نَقتلُه ونستريحُ منه، فإذا تمَّ لنا ما نُريده أقمنا ولدَه موضِعَه، وبذلنا المال، وكنتَ أنتَ صاحبَ جيشه ومُدَبِّرَه، وشيخَ الدولة، والقائمَ بأمره، وأنا امرأةٌ من وراء الحجاب، وليس غرضي إلا سلامة المهمة، وأن أعيش بينكم آمنةً من الفضيحة.
ثم أقطعَتْه إقطاعاتٍ كثيرةً، ووعدَتْه الأموال والخِلَعَ والمراكبَ السنيَّة، فقال: مُري بأمركِ. فقالت: أُريد عبدينِ من عبيدكَ تثقُ بهما في سرِّكَ وتعتمدُ عليهما في مُهمَّاتِكَ. فأحضر عبدَينِ، ووصفهما بالشهامة، فاستحلفَتْهما ووهبت لهما ألفَ دينار، ووقَّعت لهما بثياب وإقطاع وخيل وغيرها، وقالت لهما: أُريد منكما أن تصعدا غدًا إلى الجبل، إنها نوبة الحاكم في الركوب، وهو ينفرد ولا يبقى معه غيرُ الرِّكابي وفَيد القَرافي وصبي (١)، وربما ردَّ القَرافيَّ [وبقي معه الصبي] ويدخل الشِّعب وينفرد بنفسه، فاخْرُجا عليه واقتُلاه، واقتُلا القَرافيَّ والصبيَّ إن كانا معه. وأعطَتْهما سِكينين من عمل المغاربة تُسمى يافورت، ولها رأسٌ كرأس المِبضع الذي يُفْصَدُ به، ورجعَتْ إلى القصر، وقد أحكمتِ الأمرَ وأتقنَتْه.
وكان للحاكم مولدٌ وقد حُكِمَ عليه بالقَطْع في هذا الوقت، فإن تجاوزه عاش نيِّفًا وثمانين سنة، وكان لا يترك الركوبَ بالليل وطَوْف القاهرة، فلمَّا كانت تلك الليلة [التي قُتل في آخرها] قال لوالدته: عليَّ في هذه الليلة وفي غدٍ قَطْعٌ عظيم، والدليلُ عليه علامةٌ تظهرُ في السماء وطلوع نجمٍ سمَّاه، وكأنِّي بِكِ وقد انتُهكتِ وهلكْتِ مع أختي، فإني ما أخاف عليكِ أضرَّ منها، فتسلمي هذا المفتاح، فهو لهذه الخزانة، وفيها صناديقُ تشتمل على ثلاث مئة ألف دينار، خُذيها وحوِّليها إلى قصركِ تكونُ ذخيرةً لكِ. فقبَّلتِ الأرضَ وقالت: إذا كنتَ تتصوَّرُ هذا فارحَمْني، واقْضِ حقِّي، ودَعْ ركوبَكَ
(١) في (خ) و (ف): ولا يبقى معه غير القرافي والركابي وصبيّ، والمثبت من (م) و (م ١)، وعليه يدل سياق الكلام الآتي.