للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بدرٌ على القلعة وما فيها، وكتب إلى أخت الحاكم بما جرى، فأظهرتِ الوَجْدَ على فاتك، وشكرَتْ بدرًا على ما كان منه في حفظ الخزائن، وبعثَتْ له بالخِلَع، ووهبت له جميع ما خلَّف مولاه، وقلَّدَتْه (١) موضِعَه، ونظرَتْ في الأمور بعد قتل الحاكم أربع سنين، أعادتِ المُلكَ فيها إلى غضاريه، وغمرتِ الخزائنَ بالأموال، واصطنعَتِ الرجال، ثم اعتلَّت عِلَّة لَحِقَها فيها ذَرَبٌ، فتوفِّيت.

قال المصنف : وفي أيام الحاكم كان أبو الحسن علي بن محمد التِّهامي الشاعر. [ذكره الحافظ ابن عساكر (٢) وقال]: وكان عليَّ الهِمة، شريفَ النَّفس، قارئًا لكتاب الله تعالى، طلب الخلافة بالشام، وخرج معه جماعة، فغدر به آل الجرَّاح الطَّائيين، وتقرَّبوا به إلى الحاكم، وحملوه إليه [إلى مصر]، فحبسه في خزانة البنود إلى أن مات بها. وقيل: إنَّ الحاكم عفا عنه وخلَّى سبيله، ومن شعره مرثيَّة في ولده: [من الكامل]

حُكْمُ المنيَّةِ في البريَّةِ جارِ … ما هذه الدنيا بدارِ قرارِ

بينا يُرى الإنسانُ فيها مُخْبِرًا … حتى يُرى خبرًا من الأخبارِ

طُبِعَتْ على كدَرٍ وأنتَ تُريدُها … صَفوًا من الأقذاءِ والأكدارِ

ومكلِّفُ الأيامِ ضِدَّ طباعِها … مُتطَلِّب في الماءِ جَذوةَ نارِ

وإذا رجوْتَ المستحيلَ فإنَّما … تبني الرجاءَ على شفيرٍ هارِ

فالعيشُ نومٌ والمنيةُ يقظة … والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ

والنفسُ إنْ رضِيَتْ بذاكَ وإنْ أبَتْ … منقادةٌ بأزِمَّةِ المقدارِ

فاقضوا مآرِبَكُمْ عِجالًا إنَّما … أعمالُكُمْ سَفَرٌ من الأسفارِ

وتراكضوا خيلَ الشبابِ وبادِروا … أن تُستَرَدَّ فإنهنَّ عَوارِي

فالدَّهرُ يَخدع بالمنى ويُغِصُّ إنْ … هنَّا (٣) ويهدِمُ ما بنى ببوارِ

ليس الزمانُ وإن حرصتَ مُسالمًا … خُلُقُ الزمانِ عداوةُ الأحرارِ


(١) في (م ١): وولَّته.
(٢) تاريخ دمشق ٥١/ ٢١٥ - ٢١٨ (مجمع اللغة العربية بدمشق).
(٣) هنّأ: أعطى الطعام. المعجم الوسيط (هنأ).