للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا﴾ [مريم: ١٣] أي: ورحمة، وقال ابن عباس: ما أدري ما الحنان، إلا أن يرحم الله عباده ويتعطف عليهم.

﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ [مريم: ١٥] أي: سلام له.

وروى قتادة عن الحسن قال: التقى عيسى ويحيى، فقال له عيسى: استغفر لي فأنت خير مني. فقال له يحيى: وأنت كذلك. فقال عيسى: أنت سَلَّمَ الله عليك، وأنا سلمت على نفسي (١). يشير إلى قوله: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ﴾ [مريم: ٣٣]، وقيل ليحيى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ﴾.

وقيل: كان بينهما ثلاث سنين، يحيى قبله. وهو وهم، بل كان في زمانه.

وقال ابن عباس: كان طعام يحيى قلوب الشجر والعشب، ويخالط الوحش، ويلبس الشعر والوبر، ولا يأنس ببني آدم، ولم يكن له بيت، ولا عبد، ولا أمة، وما ضحك قط إلا متبسمًا.

وذكر أبو نعيم في "الحلية" عن وهيب بن الورد قال: كان يحيى في وجهه خطان أسودان من البكاء، فكان أبوه إذا رآه يبكي يقول: يا إلهي، إنما سألت الولد لتقرَّ به عيني، وما أراني إلا وقعت في العناء. فيقول له يحيى: يا أبة، أنت أخبرتني عن جبريل أنه قال: إن بين الجنة والنار عقبة لا يقطعها إلا بكاء العين (٢). وفي رواية: فيبكي زكريا معه.

وقال وهب بن منبه: بكى يحيى حتى بدت أضراس فيه فقالت أمه: يا بني، لو صنعتُ لك لِبْدًا. فقال: اصنعي ما بدا لك. فصنعت له لِبْدًا، فكان إذا قام إلى الصلاة يبكي حتى يبل اللِّبْد، فتقف أمه فتعصر اللِّبْد، فإذا رأى دموعه على ذراعيها رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم، هذه دموعي وهذه أمي وإنا عبيدك وأنت أرحم الراحمين (٣).

وقال السُّدي: كان زكريا إذا تكلم على الناس نظر يمينًا وشمالًا، فإن رأى يحيى لم


(١) انظر "زاد المسير" ٥/ ٢١٥.
(٢) "حلية الأولياء" ٨/ ١٤٩.
(٣) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٨٠.