للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يذكر جنة ولا نارًا (١).

وقال ابن المسيب: كان يحيى يضرب لبني إسرائيل الأمثال:

مثل في التوحيد، قال: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، ومثله: كرجل اشترى عبيدًا من خالص ماله وأسكنهم دارًا له ودفع إليهم مالًا ليتجروا به ويأخذ كل واحد منهم ما يكفيه ويؤدي إليه فضل الربح، فدفعوه إلى عدوِّ سيدهم.

مثلٌ في الصلاة والمصلي، قال: مثله كرجل استأذن على ملك فأذن له فدخل عليه، فأقبل الملك عليه بوجهه وجعل الرجل يلتفت يمينًا وشمالًا، فأعرض عنه الملك ولم يقض له حاجة.

مثلٌ في الصيام، قال: مثله كرجل لبس جبة للقتال وأخذ سلاحه وخرج إلى عدوِّه فلم يصل إليه العدو ولم يعمل فيه السلاح.

مثلٌ في الذكر، مثله: كقوم لهم حصن ولهم عدو، فإذا أقبل عدوُّهم دخلوا حصنهم فلم يقدر عليهم، فكذا الشيطان لا يقدر على ذاكر لله تعالى (٢).

قلت: وقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في "المسند" حديثًا بمعناه فقال: حدثنا عفَّان بإسناده عن الحارث الأشعري أن نبيَّ الله قال: "إنَّ الله ﷿ أمرَ يَحيى بنَ زكَرِيَّا بِخَمسِ كَلِمات، أن يَعملَ بهِنَّ، ويأمُرَ بَنِي إسرائيلَ أن يعمَلُوا بِهِنَّ، فكادَ يُبطِئ، فَقالَ له عيسى بنُ مريمَ: إنَّك قد أُمِرتَ بِخَمسِ كَلِمات أن تَعملَ بِهِنَّ وتأمُرَ بَنِي إسرائيلَ أن يعملُوا بِهِنَّ، فإمَّا أن تُبلغَهُنَّ، وإمَّا أن أُبلِّغَهُنَّ. فقال: يا أخي، إنِّي أَخشَى إن سَبقتَنِي أن أُعذَّبَ أو يُخسفَ بي. قال: فَجمعَ يَحيى بنُ زكريا بَنِي إسرائيلَ في بَيتِ المقدِس، حتى امتلأ المسجدُ، فَقُعِدَ على الشُّرَفِ، فَحمدَ الله، وأثنى عليه، ثُمَّ قالَ: إنَّ الله أمَرَني بِخمسِ كَلماتٍ أن أعمَلَ بِهِنَّ وآمُرَكُم أن تَعملُوا بِهِنَّ.

وأوَّلُهُنَّ: أن تعبُدوُا الله ولا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا، فإنَّ مَثَلَ ذلِك مَثَلُ رجلٍ اشتَرى عبدًا من خالصِ مالِهِ بوَرقٍ أو ذَهبٍ، فَجَعلَ يَعملُ ويُؤدِّي غَلَّتهُ إلى غَيرِ سيِّدِه، فأيكم يَسرُّه أن


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٨٠.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٧٩.