للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على جاري العادة ويدعو له، فقال: أمَّا بعد، فأطال الله بقاء سيِّدنا ومولانا الإمام، وأدام له العِزَّ والتأييد، والعلوَّ والتمهيد، والبسطةَ والسُّموَّ والغبطة، وأمضى شرقًا وغربًا أحكامَه، ونصر برًّا وبحرًا أعلامَه، ولا أخلى من الدولة مكانَه، ومن النضارة زمانَه، ثم ذكر آدم والأنبياء صلى الله عليهم وسلم بألفاظ طويلة، منها: والحمد لله الذي خلق صفة آدم لاتِّحاد البريَّة، وأجراه في أحواله على سابق المشيَّة، وشرَّفه بسجود ملائكته الكرام، فخصُّوه بالتحية والإعظام، وابتلاه بمواقعة خطيئته، ثم تاب عليه عقيب إنابته، ورحِمَه عقيب استغفاره، وجعل الدنيا دار قراره، ثم صلَّى على النبي ]. ومن جُمْلَتِه: أصدر العبدُ كتابَه من مستقرِّه ببلْخٍ لخمسٍ بَقِين من المُحرَّم [من هذه السنة]، وقد تناهى إلى الموقف (١) الأشرف ما يسَّره اللهُ من الفتوح التي زهَتْ على سائر الأنام، وانتهت راياتُها إلى بقاعٍ من (٢) بلاد الكفار ما كانت تخطر على الأوهام، وكُسِرتْ أصنامُها التي كانت تُعبد من دون الله؛ اغترارًا بطول زمانها، وانقراضِ القرونِ بعدَ القرونِ على تعظيم شانها، حتى فقدَ الكفارُ كلَّ صنمٍ منحوتٍ من الحجر والخشب، ومصوغٍ من الفضة والذهب، وأيقنوا ببُطلان اعتقاداتهم في معبودهم، وتحيَّروا في أمرِ دينهم الذي ورثوه عن آبائهم وجدودهم، وكان لهم صنمٌ عظيم يقال [له]: سومنات، وهو أعظمُ أصنامهم، وجاهروا بأنَّه يُحيي ويميت، ويفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأنَّه إذا شاء أبرأ من جميع العلل، حتى من البرص والعمى والشَّلل، وربما كان يتَّفق لسُفائِهم إبراءُ عليلٍ يقصِدُه، فيزدادون به افتتانًا، ويأتونه من أقصى البلاد رجالًا ورُكبانًا، ويزعمون أنَّ الأرواح إذا فارقتِ الأجسامَ اجتمعت لديه على مذهب التناسخ، فينشِّئها فيمن شاء قبل الولادة، ويُجريها بعد دخولها في الوجود على ما يختاره لها من أسباب الشقاء والسعادة، وأنَّ ظهورَ مَدِّ البحر المتَّصل به وجَزْرِه عبادةٌ له على قَدْر طاقتِه ووُسْعِه، فكانوا بحكم هذا الاعتقاد يحجُّونه من كل صَقْعٍ [بعيد]، ويأتونه من كلِّ فَجٍّ عميق، ويُتحِفونه بكلِّ مالٍ جزيل، ويتصدَّقون على سَدَنتِه بكل مُدَّخرٍ جليل، ولم يَبْقَ في بلاد الهند والسِّند -على تباعُدِ أقطارِها، وتبايُنِ


(١) في (م) و (م ١): المقام.
(٢) في (م) و (م ١): إلى أقصى.