بعد الانطلاق، واختصَّ العبد بشرف هذه الفضيلة من بين ملوك الآفاق، وطالعَ العبدُ بحقيقةِ ما يسَّره الله تعالى من هذا الفتح العظيم، وإباحة ما يسَّره الله تعالى لأنصار الدولة القاهرة، أدامَ الله لها السموَّ والبسطة، والعلوَّ والرفعة، وأمضى شرقًا وغربًا أحكامَه، ونصرَ برًّا وبحرًا أعلامَه.
وفي رمضان عاد محمود بن سُبُكْتِكين من الريِّ إلى خراسان، واستخلفَ بالريِّ ولدَه أبا سعيد مسعودًا. وفيها جمع القادر كتابًا فيه أحاديثُ رسول الله ﷺ، والردُّ على المبتدعة، وفِسْقُ من يقول بخلق القرآن، وفي آخره مواعظُ وزواجرُ، وجُمِعَ القُضاةُ والعلماءُ والأعيانُ، وقُرئ عليهم في داره، وكان يخطب بجامع براثا خطيبٌ يذكر مثالبَ الصحابة، فقبض القادرُ عليه، وتقدَّم إلى أبي منصور بن تمام الخطيبُ بجامع براثا، وبعث معه جماعةً من الشُّرَط، فخطب خطبة قصيرةً، ولم يذكر ما جرَتْ به العادة من فضائل عليٍّ رضوان الله عليه، فرُجِمَ بالآجُرِّ، وأدْمَوا وجهَه، ونزل وصلَّى ركعتين خفيفتين، وحماه الشُّرَطُ، وإلا قُتِلَ، وبلغ القادرَ فعزَّ عليه، وأحضرَ الشريفَ المرتضى وأبا الحسن الزينبي والأشرافَ، فأنكر عليهم، وكتب كتابًا عامًّا إلى جلال الدولة، والوزير أبي علي بن ماكولا، وإلى الإسْفَهسلارية يقول من جملته: إذا بلغَ الأمرُ، أطال اللهُ بقاءَ صاحب الجيش إلى الجرأة على الدين، وتسليط الأوباش على الدولة، فلا صبرَ دون ما تُوجِبُه الحميَّةُ والسياسة، وقد بلَغَنا ما جرى بالأمسِ بجامع بَرَاثا الَّذي يجمع الكفَرةَ والزنادقةَ ومَنْ قد برئ الله [منه](١) ورسوله، فصار أشبهَ شيء بمسجد الضرار، وقد ذكر خَطيبٌ بالأمس فيه ما جاءت به السُّنَّةُ، وقد كان الخطيبُ الماضي -قبَّحه الله- يقول بعد الصلاة على النبي ﷺ: وعلى أخيه أميرِ المؤمنين مُكلَّمِ الجُمْجُمة، ومُحيي الأمواتَ البشريَّ الإلهيَّ. فلو كان عليٌّ حيًّا لقتَلَ قائِلَه، كما فعلَ في الغُواةِ أمثالِ هؤلاء الغوغاء الجُهَّال، والعملِ على الركوب في الجمعة الآتية بالعساكر، وإقامةِ الدعوة بالخطبة الإسلامية على ما جرَتْ به العادةُ في الجوامع والمنابر، فإنَّ هؤلاء الشِّيَعَ قد درسوا الإسلام، وقد بقيت منه بقيةٌ، وإن لم يُدفَع هؤلاء الزنادقة وإلا ذهبتِ البقية، وذكر كلامًا في هذا المعنى.