للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعِناد، خارجون عن طاعة واليهم في عامة الأحوال، غاصبون لصنوف الأموال، وأنه يجب عليهم القطعُ والقتلُ والنفيُ على مقدار جناياتهم، ومراتب حالاتهم، هذا إذا لم يكونوا من أهل الإلحاد، فكيف واعتقادهم يؤول إلى الفساد؛ لأنهم لا يَعْدون ثلاثةَ أوجهٍ تسوَدُّ بها الوجوهُ يومَ القيامة: الإلحاد، والرفض، وخُبْث الباطن، لا يُقيمون الصلاةَ، ولا يُؤتون الزكاةَ، ولا يعرفون شرائطَ الإسلام، ولا يُميِّزون بين الحلال والحرام، وأنَّ الأكثر من هذه الطوائف يُقلِّدون في الكلام مذاهب الاعتزال، ويتكثَّرون بهذا الانتحال، وأن الباطنيَّةَ منهم لا يؤمنون باللهِ وملائكتهِ وكتبِه ورُسُلِه واليومِ الآخرِ والثوابِ والعقاب، وأنَّهم يعتقدون ذلك من مخاريق الحكماء، ويعتقدون مذهب الإباحة في الفروج والدماء، فحكَمَ الفُقهاء عليهم بما ذكرنا، وحكموا بأنَّ رستم بن علي كان يُظهر التسنُّنَ في مذهبه، ويتميَّز به عن سلفه، إلا أنَّ في حياله زيادةً على خمسين (١) امرأة من الحرائر، وَلَدْنَ له ثلاثة وثلاثين نفسًا من الذكور والإناث، ولمَّا سُئِلَ عن هذا ذَكَرَ أنَّ الرسم الجاري لسلفه في ارتباط الحرائر، وكان مستمرًا على هذه الجملة، فاعترف بأنَّ أمرَ الدَّيلم لم يكن أَسَدَّ، وأنَّهم ما كانوا في دينهم على بصيرة، وأنَّ هذا مذهب المزدكية وأهل التناسخ، ولمَّا أفتى الفقهاءُ بقتْلِهم وصَلْبِهم، ونفيِهم صُلِبوا على شوارع مدينةٍ طالما ملكوها غصبًا، واقتسموا أموالها نهبًا، فأمسوا هباءً منثورًا، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، وحُمِلَ رستم بن علي وابنُه وجماعةٌ من الدَّيالمة إلى خُراسان في الاحتياط التام، وضمَّ إليه أعيانَ المعتزلة والغُلاةَ من الروافض، ليَسْلَم من فتنتهم وإغوائهم الخاصُّ والعامُّ، ونظَرَ فيما احتجزه رستُم لنفسه، فعُثِرَ من الجواهر على ما يقارب قيمتُه خمسُ مئة ألف دينار، ومن النقد على مئتين وستين ألف دينار، ومن الذهبيات والفضيات على ما بلغ قيمتُه ثلاثين ألف دينار، ومن أنواع الثياب النسيج والثياب الفاخرة على خمسة آلاف ثوب وثلاث مئة ثوب، وأُحرِقَ من الكتب خمسون حملًا من كتب الفلاسفة والمعتزلة والنجوم والمبتدعة تحت خُشُبِ المُصَلِّين، وخلَتِ البُقعةُ من دُعاة البدع، وانتصرتِ السُّنَّةُ وقد كانت من وراء حجاب، وخمدَتْ نيرانُ الكفر من هذا الجناب، وخرسَتِ الألسنُ عن سبِّ الصحابة


(١) بعدها في (ف) زيادة: ألف، وهذه الزيادة ليست في المنتظم ١٥/ ١٩٦، ولا في تاريخ الإسلام ٩/ ١٨٨.