الدولة، فدخل الأميرُ أبو منصور فأخذهُنَّ من يدها، ورجع الأتراك إلى المأمونية فطالبوه بالقسط، فقال: قد نهبتُم ما نهبتُم، وقد عرفتُ مقدارَه، فما هذه المطالبة؟ وإنما ينبغي أن أُقاسِمَكم. وركب وخرج من بينهم، فأرضاهم ببعض القسط، وبينما هم على ذلك -وقد امتلأت أيديهم من الغنائم- جاءهم الخبرُ بنزول علاء الدولة بن كاكويه تُسْتَر منهزمًا من أصبهان، ووصولِ الملكِ أبي كاليجار، فأشفقوا من المقام وساروا، فالتقوا بأبي كاليجار، واقتتلوا، فانهزم، وقتلوا من الذيلم مقتلةً عظيمةً، وأسروا أعيانَ أصحاب أبي كاليجار، وكان من المأسورين أبو الفرج بن أبي القاسم بن فَسانْجِس، وعاد جلال الدولة إلى واسط والأتراكُ معه، وأمَّا أبو كاليجار فإنه لمَّا انصرف من الوقعة وراسل جلال الدولة، وأعطاه بلدَ واسط والبصرة وأماكنَ، وأن يحمل إليه ما لا ويخطب له، وانفصل جلالُ الدولة على هذا، ودخل أبو كاليجار الأهوازَ، فوجدها خاويةً على عروشها، ثم خرج منها إلى عسكر مكرم، وعزم على أَرَّجان، فوافاه الأجَلُّ العادلُ أبو منصور بَهْرام بمالٍ من فارس، وعساكرَ وخيلٍ وفُرُشٍ ومتاعٍ، فتعمَّرت خزائنُه وإصطبلاتُه، وتراجعت حالُه، فكتب إلى جلال الدولة في معنى المأخوذات من حرمة والدته وغيرها، وما أخذ منهنَّ، وكانت أمُّه لمَّا وصلت إلى واسط ماتت، ولم يُفرِجْ عن الباقيات، وأُجيب بجواب التعليل وتسليم ما استقرَّ.
وفيها خطب القادرُ لابنه أبي جعفر عبد الله بولاية العهد، وكان مذ توقَّف قبل ذلك مرض، فجلس للناس، فدخلوا عليه، وظهر لهم، فسأله الخواصُّ والإسْفَهسلارية أن يُخطَبَ له، فأمر بالخطبة، ومرت السِّتارةُ بينه وبين الناس، وتقدَّم أبو الحسن بن حاجب النعمان فقبَّلَ يده وهنَّاه، فقال الأمير أبو جعفر: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيرًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] وكان يتَّهمه بأنه هو الَّذي أفسد ما بينَه وبين أبيه، فجعل يبكي ويُقبِّل الأرضَ بين يديه، فلمَّا كان يوم الجمعة لسبعٍ بقين من جمادى الأولى خُطِبَ له على المنابر، ولُقِّب بالقائم بأمر الله، وضُرِبَ اسمُه على الدراهم والدنانير، وفي السنة الماضية ما كان يُصرَّح باسمه، بل يُقال بعد الدعاء للقادر: اللهمَّ وأمْتِعْه بذخيرة الدِّين المرجوِّ لولاية العهد في العالمين، ثم جاء عقيب هذا كتابُ جلال الدولة إلى القادر يسأله أن يعهد إلى القائم، فكان في كتابه: عِلْمُ سيِّدنا ومولانا الإمام القادر