ومالت الدَّيلم الخوزستانية إلى هذا لأجل أهلهم وأوطانهم، وجاء كتاب جلال الدولة: أنت ولدي، وسلطانُ الدولة أبوكَ أخي. ومال إلى الصلح، إلا أنَّه قال: اخرُجْ من بلادي ليتقرَّر الأمرُ. وبلغ أبا كاليجار أنَّ التُّركَ قد وصلوا إلى المأمونية، فسار مُجِدًّا والدَّيلم، فورد كتاب الطير إلى بغداد في حادي عشر ربيع الآخر أنَّ جلال الدولة دخل الأهواز فضُربَتِ البشائر.
فصل:
قد ذكرنا أن الأتراكَ البغادِدة لمَّا وصلوا إلى واسط وجدوا أبا كاليجار قد احترز بها، وأطلق المياه، فحالت بين الفريقين، وخاف الإسْفَهسلارية أن يطول المُقامُ فيهم بين أن ينصرفوا إلى بغداد، فتكون الهزيمة، أو يدخلوا في طاعة أبي كاليجار بحكم الضرورة، فعملوا على قصد الأهواز، وأطمَعوا صغارَهم فيما ينهبون من الأموال، فساروا [على كلمةٍ مختلفةٍ، ودعائم ضعيفة، وخافوا على أهلهم ببغداد، فساروا] يطوون المنازل، وينهبون كلَّ ما يجدونه، إلى أن وصلوا إلى المأمونية لسبعٍ بَقِين من ربيع الأول، فوجدوا الماء زائدًا، والسُّفنَ معدومةً، والمِيرةَ متعذِّرةً، فتحيروا، ثم حصلوا مِصْرين من بعض السواد، وكان بها جماعةٌ من الدَّيلم والأتراك، فواقعوهم، فانحاز التُّرك إلى التُّرك، وانهزم الدَّيلم وقُتِلَ بعضُهم، وهجموا البلد، فنهبوا المنازل والخانات والدُّور، وأخذوا من الحُليِّ والجواهر والأمتعة ما يتجاوز الحصر، واستمرَّ النَّهبُ ستة عشر يومًا، حتَّى أتَوا على كل مذخور، وارتكبوا كلَّ محظور، وأخذوا من دار رجلٍ واحدٍ -يُقال له: ميمون البيع- ما مِقدارُه سبع مئة ألف دينار، فيقال: إنهم أخذوا من البلد زيادةً على خمسة آلاف دينار، وألفَي جاريةٍ رقيقًا، وأمُّهاتِ أولادٍ وحرائرَ من أبكارٍ وثُيَّبٍ، وأتلفوا من الأمتعة بمقدار ما أخذوا، وكان المُقامِرون يُقامرون بالجواهر والسبائك من الذهب، ولحِقَ هذا البلد من هذه المصيبة ما أهلَكَه واستأصَلَه، وأتلفَ أهلُ البلد جماعة من الأعيان كانوا يدخلون الدُّور فيقتلونهم، ودخل جلالُ الدولة دارَ الملك فوجدها مملوءةً بالثياب والفُرش والأواني، فاستولى على الجميع، وقبض على والدةِ أبي كاليجار وأختِه -المُزوَّجة من أمير الأمراء أبي منصور- وابنتِه وأمِّ ولدِه وزوجتِه، ولجا باقي الحُرَمِ إلى دار الأخت بنت بهاء