عليها، ومات بغَزْنة يوم الخميس لسبعٍ بَقِينَ من ربيع الآخر وهو ابن ثلاث وستين سنة، ملَكَ منها ثلاثًا وثلاثين سنة، ومات وهو مستندٌ في دَسْتِه، لم يضَعْ جنْبَه إلى الأرض.
وكان ديِّنًا، كثيرَ الصدقاتِ والصِّلات والمعروف، وقام ولدُه مسعودٌ مقامَه وله نوادر، منها [ما ذكره محمود الأصبهاني] أنَّه مرض مرضًا مُزْمِنًا، واعتُقِل لسانُه، فاتَّفق الأطبَّاء أن يُحمل على سريره ويُطاف به المارستانات على المرضى ليهون ما به، فأدخلوه بعض المارستانات، فجاء إلى بيتٍ مُقفَلٍ وعليه سلاسلُ، فأشار إليهم بيده أنِ افتحوه، فقال قَيِّم المارستان: فيه مجنون، لو ظهر لتأذَّتْ به المملكة. فقال: لا بُدَّ [من فتحه]. ففتحوه، وإذا بشابٍّ في عنقه سلسلةٌ، وفي رجليه قَيدٌ، ويداه مغلولتان إلى عنقه، فلمَّا رآه ناداه: يا محمود، ما نفعَكَ مِلْكُكَ وسلطانُكَ حتَّى أتيتَ إلى المرضى تطلُبُ عندهم الشفاء؟ فأنطقَ اللهُ محمودًا وقال: نَعَمْ، إنما جئتُ لأضَعَ سلاسِلَكَ في عنقي، وأُفَوِّضَ إليكَ مملكتي. فقال له المجنون: لو فعلَ سيِّدي هذا ما احتَجْنا إلى وساطتِكَ. ثم قال: يا محمود، أنا راضٍ بما أنا فيه عن سيِّدي، فهل أنتَ راضٍ عن سيِّدِكَ؟ فبكى محمود وقال له: قد وجدتُ الشفاءَ ببركتِكَ، فسلني حاجةً. فالتفتَ المجنونُ إلى بعض مماليك محمود وسأله، فقال له محمود: أنا أقولُ لكَ: سَلْني، وأنتَ تسألُ مملوكي؟ فقال له المجنون: وكذا أنا أخافُ غدًا أن يقول لي سيدي: تركتَ المالِكَ وسألتَ المملوكَ. فبكى محمود وقال: لا بُدَّ من حاجة. فقال: عِدْلُ قمح؟ قال: وما قيمةُ عِدْلِ قمح؟ اطلُبْ عِدْلَ جوهر. فقال: ما أُريد إلا عِدْل قمح. فقال: احْمِلوه إليه. فقال: ما أُريد أن يحمله إلا أنت. فقال محمود: واللهِ ما لي طاقةٌ أحمِلُ مُدًّا، فكيف أحمِلُ عِدْلًا؟ فقال: يا مسكين، إذا كنتَ لا تقدِرُ على حَمْلِ مُدٍّ [من] قمح فكيف تقدِرُ غدًا أن تحمل حقوقَ العباد كلِّهم؛ فبكى محمود، وخرج من عنده، وأقام أيامًا وتُوفِّي، وكان كلَّما ذَكَرَ كلامَ المجنون يبكي.
وقال هلال بن الصابئ: كان ابنُه مسعود بأصبهان، وبلغه خبرُ موتِه، فلبس السواد، وجلس للعزاء، ورتب صاحبًا له بأصبهان، ورحل طالبًا خراسان، فلمَّا سار قليلًا وثب