أهلُ البلد على أصحابه، فقتلوا منهم جماعةً، ولحِقَ به مَنْ أفلت، فعاد إلى البلد، فخرج إليه أهله وقاتلوه قتالًا شديدًا، فلم يثبتوا له، فهزمهم ودخل البلد، وألقى فيهم السيف، فقتل أربعين ألفًا في المساجد والجوامع؛ لأنهم لجؤوا إليها، ونهب البلد، وسبى الحريم، وفعل فعلًا قبيحًا، وجاء إلى الريِّ فاستخلف بها بعضَ أصحابه، وسار إلى خُراسان.
ولقد عَظُمَ أمرُ محمود عِظَمًا كبيرًا، وقهر ملوكَ الهند قهرًا كبيرًا، وفعل الأفاعيل المذكورة، ووقف المواقفَ المشهورة، وجمع من الأموال ما ملأ به القلاع والخزائن.
وكان ظاهِرُه التديُّن والتسنُّن مع شُربِه للنبيذ على الدوام والاتصال، وتصرُّفه على الأخلاق التركية في أكثر الأحوال، وكان في مسيره شديدَ الغِلْظة، ثقيلَ الوطأة، قاصدًا أخْذَ الممالك على أحسن طريقة وأصعب مطالبة، إلَّا أنَّه مع ذلك يحمي النواحي ويحوطُها، ويحرس الطُّرقَ ويضبطُها، ويقيم السياسة على أفضل رسومِها وأكمل شروطِها، وكان مرضُه بالعِلَّة التي كان يُقاسيها منذُ ثلاث سنين، وهي سوء المزاج وانطلاق البطن في الأسبوع أيامًا حتَّى يمسك بالأدوية، وهو في جميع ذلك لا ينثني عن مقاصده وغزواته، ولا يُخِلُّ بأسفاره ونهضاته، ولم يترُكْ إلى آخر أيامه في مرضه الجلوسَ للإذْنِ العامِّ مرتين بالغداة والعشيِّ، وكان أطِبَّاؤه يأمرونه بالرفاهة فيقول لهم: تريدون أن أعتزِلَ الإمارةَ. ولم يضَعْ جنبَه إلى الأرض عند موته، و [لمَّا مات محمود] حُمِلَ تابوتُه من قصره إلى قصرٍ كان بظاهر البلد يُدعى بالفيروزي كان أيامَ مُقامِه بغَزْنَة، يؤثره على سائر قُصوره.
وضبط عليٌّ الحاجبُ الأمورَ مع اضطراب البلد، وواصل الكَتْبَ إلى الأمير محمد بن محمود بالحثِّ على التعجيل، وكان بالجُوزْجان، فخرج منها بعسكره، فوصل إلى غَزْنة بعد أربعين يومًا.
وقال العباس بن الحسين البَنْدنيجي: كان رجلٌ من السَّامانية يُكنى بأبي إبراهيم، وكان الصعاليك يجتمعون إليه، فيقصِدُ بهم ناحيةً ناحيةً يجبي خَراجها، وربما فعل