الريِّ أن يرتب ولده مسعودًا فيها، ويُبعِدَه عن محمد. وضمَّ إليه سبعةَ عشر ألف رجل، لم يُعْطِه مالًا، وقال: استخرِجْ من الارتفاع ما يكفيك. وكان عفيفًا عن أموال الناس، فاحتاج إلى نفقة الجند، فكسر أواني داره، وأنفقها فيهم، واستدعاه وقال: أُريد أن تحلِفَ لي إنْ حدث بي حادثٌ أنك لا تُقاتِلُ محمدًا أخاكَ ولا تنازعُه. فقال: أفعل هذا بعد أن يشهد مولانا عليه أنني لستُ ولدَه. قال: فكيف يكون ذلك؟ قال: لأنني إن كُنْتُ ابنَه فلي حقٌّ في خراسان وفي المال. قال: فهو يحمل إليك حقَّكَ. فقال: إذا حضر هاهنا والتزم هذا فعلتُ، أمَّا أن يكون بغَزْنة وأنا بالريِّ فلا ألتزم له ذلك. وجرَتْ بينهما محاورات، وقال له في آخر كلامه: فاحلِفْ لي أنك لا تتزوج من الدَّيلم. فقال: أمَّا هذا فنعم. وحلف له.
وكان أبو القاسم أحمد بن الحسن المِيمَنْدي قريبًا من محمود، ولم يكن نافذًا في الكتابة، وإنما قدَّمه محمود لمقامٍ قام به في خدمته، وذلك لأنه غزا بلادَ قشمير، فنزل على قلعتها، وكانت حصينةً، فتأخَّر عنها إلى بُعْدِ، وركب يومًا في بعض خواصِّه منهم المِيمَندي، وقصد تلًّا قريبًا من القلعة ينظر من أين يصل إليها، ورآه القوم من رأس القلعة، فأرسلوا مَنْ أحاط بالتلِّ، وشاهد محمود وأصحابُه الهلاكَ عيانًا، فقال [له](١) المِيمَندي: لا تضطرِبْ، فسأحتال في خلاصنا، فتقدَّم إلى الهند وكلَّمَهم، فقالوا: من أنتَ؟ فقال: محمود الملك. فقالوا: لك نريد. فقال: عندي من ملوككم فلانٌ وفلاد، وأنا أفدي نفسي بهم، وأُحضِرُهم هاهنا، وأنزِلُ على حُكمِكُم فيما تقترحونه. فَسُرُّوا بهذا القول، وقالوا: أحضرِ القومَ. فقال لبعض الغلمان: امْضِ إلى ولدي وعسكري، وعرِّفْهم خبري، وأحضِرْ فلانًا وفلانًا وفلانًا؛ لأُخلِّص بهم نفسي. فلمَّا توجَّه ردَّه وقال: هذا صبيٌّ ما يُحسِنُ أن يُؤدِّي ما أُريده. ثم التفتَ إلى محمود وقال: أنت عاقل، فامْضِ وعَجِّل. فمضى، فلمَّا وصل إلى عسكره التقاه قومٌ، وقبَّلوا الأرضَ بين يديه، ورآهم الهنود من أعلى القلعة، فسألوا المِيمَندي عنه، فقال: هو محمود، وقد احتَلْتُ في خلاصه، فأَعْجَبَ الملكَ فِعْلُه وقال: فتوسَّطِ الحال بيننا وبينه. ففعل ذلك، ورحل