للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: هذا يومُ سلام لا يومَ طعام. فلم يزل يُراجعه حتَّى أجاب، وضرب له محمود خَرْكاةً (١) من ذهب، وغشَّاها بالسَّبَج (٢)، وأحضر منقلًا من ذهب، وعِوَضَ الجمر أُكَرًا (٣) من ذهب، فأكلا، وتعاهدا، وقَدِمَ الخَرْكاة، وكشفها حتَّى شاهدها، فقال مَدْرَخان: نحن ما نعرف هذه، ولا تصلح لنا. فقال محمود: الذهب لا يُستغنى عنه. ولم يزل به حتَّى قَبِلها.

ولمَّا أوغل محمود في بلاد الهند في السنة التي انقطع فيها خبرُه، وأرجف بهلاكه، عبر جَيحون مع أيلك التركي في مئة ألف غلام، فاستولى على بَلْخ وهَراة ومرو ونيسابور، وهرب نُوَّاب محمود، وعرف ذلك، فرجع إلى غَزْنة في أربعة آلاف رجل، ونزل بقية عسكره وراءه، فتلاحقوا، حتَّى اجتمع عنده خمسون ألفًا، وكان معه فيلٌ عظيمٌ، وسار فقطع جَيحون، وخرج أيلك في مئة ألف من بَلْخ، فقال الفيَّال لمحمود: اركب الفيل فركبه وحمل، فقال محمود للفيَّال: اقصد الراية. فقصدها، فحمل عليه صاحبُ الراية، فأخذها الفيل بخرطومه فكسرها، وانهزموا، وكان مَنْ غرِقَ في جَيحون أكثر ممَّن قُتِل، وغنِمَهم وأخذ جميع ما كان معهم، ولمَّا وصلوا إلى جَيحون أمر محمود أصحابَه بالكفِّ عنهم، وهذه كانت عادتُه، وكان خُوارَزم شاه يومئذٍ من بعض مماليكه، وجيشُه عشرة آلاف.

وجلس يومًا بين يديه ولداه محمد ومسعود، فقال لمحمد: إن حدَثَ فيَّ أمرُ الله ما تصنع؟ فقال: ألزَمُ تربتكَ، وأصومُ، وأتصدَّقُ عنكَ، وأقرأُ وأترحَّمُ عليك. فقال لمسعود: وأنت؟ فقال: إنِ اتَّفق أنك تستشهد في أرضٍ قتلتُ أهلَها، ولم أترُكْ فيها أحدًا، وأخذتُ بثأرِكَ، وأُواصِلُ الغزو، وأجعلُ لكَ حظًّا من كلِّ غزوة، وأتصدَّق عنك، وأُخرِجُ في كلّ سنةٍ مَنْ يحجُّ عنك. فقال: فما تعمل مع أخيك؟ قال: ما فعلتَه أنتَ بأخيك. وكان محمود قد أحضر أخاه إسماعيل في قلعة وقبض عليه وقتله، فغضب محمود، وكانت رجله في حجر مسعود، فجذبَها وأقامه، وكان مقصود محمود من فتح


(١) الخَركاة: الخيمة الكبيرة. معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص ٥٣.
(٢) السَّبَج: الخرز الأسود، وهي كلمة معرَّبة أصلها: سَبَه. اللسان (سبج).
(٣) الأُكَر؛ جمع أُكْرَة: وهي عقدة على شكل التفاحة تستعمل للزينة. تكملة العاجم لدوزي ١/ ١٦٦.