وفي آخر ليلة بقيت من المُحرَّم استتر الوزيرُ عميدُ الدولة، ثم هرب إلى تِكريت، وقد كان استترَ قبل ذلك وسكن دارَ الخلافة، ثم توسَّط القادرُ حاله وخرج، ثم استترَ ثانيًا وخرج إلى تِكريت، وسببُه سوءُ رأيِ جلال الدولة وإطماعِه الأتراكَ فيه والمصادرات.
وفي يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول صرف أبو الفضل محمد بن علي بن عبد العزيز ابن حاجب النعمان عن كتابة القادر، وكانت مدةُ كتابته سبعةَ أشهر وعشرين يومًا، وتوصَّل عميدُ الرؤساء أبو طالب محمد بن أيوب إلى التعلُّق بخدمة القائم، فتمَّتْ له كتابتُه، وعاونَه ريحانٌ خادمُ القائم، ونُقِلَ إلى الخليفة عن أبي الفضل أشياءُ أوحشَتْه منه، فأبعدَه وسلَّم الكتابة إلى أبي طالب.
وفيها وَزَرَ النفيسُ مُعِزُّ الملك أبو الفتح محمد بن الفضل بن أزدشير لجلال الدولة.
قال هلال: وفي هذا الوقت وردَ مَنْ أخبر بما جرَتْ عليه الأمور بخُراسان بعد وفاة محمود، فقال: لمَّا مات محمود اتَّفق أبو الحسن علي خشاوند الحاجب وأبو علي حُسينك الوزير، وبينهما مودَّةٌ ومصافاةٌ على إمضاء وصية محمود في ترتيب محمدٍ ولدِه من بعدِه، فكاتباه، فورد، واجتمعت كلمةُ الجند على تأميره، وأطلقَ لهم الأموال، واستولى على البلاد والقلاع، وورد مسعود إلى نيسابور، وقد جرَتِ الأمورُ على ذلك فأقام، واختلفت بينه وبين أخيه محمدٌ مراسلاتٌ، ومال الجند إلى مسعود؛ لقوَّةِ نفسه، وزيادةِ فضله، وتمامِ هيبتِه، وكثرةِ حشمتِهِ، وراسلَه القُوَّاد، واستمال عليًّا الحاجبَ واجتذبه، وحدث بين الحاجب وحُسينك الوزير فسادٌ، فقبض عليه، واعتقله في القلعة، وسار محمدٌ يُريد قتال أخيه، فبرك بكساباذ، وقد تغيَّر الجند عليه، ومالوا إلى مسعود، فخاف الحاجبُ أن يعلنوا بذكر مسعود من غير أن يظهر منه أثرٌ في خدمته، فقبض على محمد، وأصعده إلى قلعةٍ هناك، ونَهَبَ العسكرُ سوادَه وكراعَه، وسارَ أكثرُهم إلى مسعود، وبعث الحاجب أخاه مدركًا إلى مسعود يُعرَفه بما فعل، فخلع عليه الخِلَعَ الجليلة، ولقَّبه بحاجب الحُجَّاب، فقال: أيها الملك، إذا عامَلْتَني هذه المعاملة، فأيُّ شيء يبقى لعبدك أخي؟ فقال: ذاك خليفتي على ممالكي، والمقدَّمُ على