المرتضى، ونظامُ الحضرتين أبو الحسن الزينبي، وقاضي القُضاة أبو عبد الله الحسين بن علي، والأشراف، والعلماء إلى دار السلام، فأُجْلِسوا هناك، وخرج القائم من وراء سَبَنيَّة (١)، فصلَّى بالحاضرين المغرب، وصلَّى بعدها على تابوت القادر، وكبَّر عليه أربعًا، ثم جلس في دار الشجرة على كرسيٍّ، وعليه قميصٌ ورداء، ووصل القومُ إلى حضرته حتَّى بايعوه، وكان يقال للرجل: بايِعْ أميرَ المؤمنين الإمامَ القائمَ بأمر الله على الرضا بإمامته، والالتزام بشرائط طاعته. فيقول: نعم، ويأخذ يدَه فيُقبِّلها، وأول من بايعه الشريف المرتضى، وأنشده شعرًا في المعنى، وحضر من الغد الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر فبايعه، وكتب إلى الآفاق بالبيعة، وأخذ حاجبُ الحُجَّاب البيعةَ على الملك والأسْفَهسلارية والأتراكِ وغيرِهم، ولم يحضُرْ جلالُ الدولة البَيعة؛ لأنَّ الأتراك شغبوا لأجل مال البيعة، وتكلَّم تركيٌّ بما لا يليق في حق الخليفة، فقُتِلَ، وبلغ الأتراكَ، فخافوا وراسلوا حاجبَ الحُجَّاب، وقالوا: إن كان هذا برأي الخليفة انصرَفْنا عن هذا البلد، وإلا فنريد القتال لنُقيدَه بصاحبنا. فطالع الخليفةُ، فخرج الجواب: نحن مُنكِرون من هذا الأمر ما أنكروه، والذي جرى ما كان عن رأي ولا إرادة، وإنما هو من فِعْلِ رَعاعٍ لا يعرفون، وسفهاءَ لا يُضبَطون، وفي مقابلة قولٍ من المقتول تجاوزَ فيه قَدْرَه، وتعدَّى فيه طورَه، والآن فهؤلاء الغِلمانُ جندُنا، وأبناءُ دولتِنا، وأنصارُ دعوتِنا، ونحن لهم حامدون، وما ندبّ أن يتخالجهم شَكٌّ ولا ارتيابٌ بجميل الاعتقاد فينا، وعلى هذا فما يُدفَعُ طلبُ القاتل وإمضاءُ حدِّ الله فيه، والسلام.
وقُرِئَتْ عليهم هذه الورقة، فأزالت كثيرًا من نفورهم، وجلسوا للعزاء سبعةَ أيام، وتأخَّر الملك عن البيعة، وأظهر أن ذلك بسبب الأتراك؛ محاماةً لهم، وراسلوا الخليفة بسبب مال البيعة، فقال: إن الخليفة المتوفَّى لم يُخلِّفْ مالًا ولا ذخيرةً، ولو كان عندنا مالٌ لدفعناه لمن هو مقيمٌ عندنا من الغِلْمان، ثمَّ مَنْ تقدَّم من الأمراء لم يُطالبوا الخلفاءَ بمثل هذا، ولا يُفتَحُ هذا البابُ علينا. فأفضتِ الحالُ أن باع الخليفةُ بستانًا وخانًا من أنقاض داره وأعطاهم ثلاثة آلاف دينار.
(١) السَّبَنيَّة: ضربٌ من الثياب تُتَّخذ من مُشاقة الكتان أغلظ ما يكون. اللسان (سبن).