وفيها بعث ملكُ الروم عسكرًا فأخذ الرُّها، وسبَبُه أنَّ أبا نصر بن مروان صاحب ميَّافارقين كان قد انتزعها من يد رَجُلٍ -يقال له: عُطير- وابنِ شِبْلٍ كانا من بني نمير، وقتل عُطَيرًا، فتعصَّب لهما صالح بن مِرْداس، وتوسَّط لابن عُطَير ولابن شبل بردِّها عليهما وتكون مناصفةً بينهما، فأجاب ابنُ مروان، وكان بها بُرْجان عظيمان، فأخذ ابنُ عُطَير البُرجَ الأكبر، وابنُ شبل الأصغر، واستناب ابنُ عُطَيرٍ في بُرجه رجلًا يقال له: سليمان الكوجري، فاستوحش من ابن عُطَير، فراسلَ الرومَ، وباع البُرجَ بعشرين ألف دينارٍ روميَّةٍ، وأربعِ ضياعٍ في نواحي الروم، وسلَّمه إليهم، فجاء الرومُ وأقاموا فيه، فاستوحش أهلُ الرُّها، وخرجوا بأولادهم وأموالهم بعد أن نال منهم النصارى وهدموا المساجد، فبعث ابنُ مروان عسكرًا من الأكراد فحصروا الرُّها، وهدموا بعضَ سورها، وانهزم الرومُ إلى البُرج، والنصارى إلى البِيعة المشهورة، فنازلهم العسكرُ حتَّى فتح الكنيسة، وسبى النصارى ونهبَهم، وحاصروا البُرجَ -وكان وثيقًا- ونزل الثلج، فلم يُمكنهم المُقام، وكان مُقدَّمَ العسكر رجلٌ يُكنى أبا سليمان بن بلاسون، فرجع إلى ميَّافارقين، وكتب ابنُ مروان إلى ملك الروم: قد علمتَ ما جرى عليكَ في قصد حلب -وكان قد قصدَها في أربع مئة ألفٍ، فرجع خائبًا، بعد أن أخذوا جميعَ ما كان معه، وقتلوا رجاله- وأنَّ المسلمين لا يفارقونك على أخذ الرُّها، وأُشير عليك بالرجوع عن هذا. فلم يلتفِتْ، وبعث عشرة آلاف رجل، فبنَوا ما هدمه سليمانُ من سورها، وخرجوا فنهبوا صرحها.
وكان ابنُ وثَّاب النُّميري بحرَّان (١)، فهادنهم على حرَّان وسَرُوج، وقُرِّر عليه أتاوةٌ في كلِّ سنة يحملها إليهم الدِّزْبِري الَّذي قتل صالح بن مِرْداس، وقد طلبَ حسانَ بن المُفرِّج الطائي وشرَّدَه وشرط فاميا كلَّها، وكان حسان ينتقل من مكان إلى مكان، فألجأتْه الضرورةُ أن دخلَ في طاعة ملك الروم، ورفع الصليبَ على رأسه، وضمَّ إليه ملكُ الروم عسكرًا، وبعثَه إلى أفامية فكبسها، وسبى كثيرًا منها، وبلغ الدِّزْبِريَّ، فنادى في الشام بالاستنفار والغزو.