للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقال ابن الصابئ]: وفي يوم الاثنين سادس عشر منه خرج توقيعٌ من دار الخليفة من إنشائه وكلامه بإقرار قاضي القضاة على ما يتولَّاه، وفيه دليل على فضل القائم.

[وكان منه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله العظيم الوهَّاب الكريم، التوَّاب الواحد، ربِّ الأرباب الماجد، مُعْتِق الرقاب، مُنزلِ القطرِ من السحاب، المنعم على المحسنين بجزيل الثواب، المتفضِّل عليهم بكريم المآب، أحمده كما حمده أولو الألباب، وأستعينه استعانة مخلصٍ أوَّاب، وأتوكَّل عليه وأجعله عُدَّةً ليوم المآب والحساب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الخلْقِ من تراب، ومُقدِّرُ آجالهم في الهرم والشباب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اختاره من أطهر الأصلاب، وانتخبه من أشرف الأنساب، فقام بالحقِّ وتعلَّق بالصواب، وقمع به أهل الطغيان، وهدى به إلى أقومِ الأديان، وشرع بعده ولاية الخلفاء المهدييِّن صلوات الله عليهم أجمعين، ولم تزَلْ تتنقَّل في الأئمة الراشدين إلى أن انتقل وآثرَ به اللهُ الإمامَ القائم بأمره أميرَ المؤمنين الذابَّ عن حريم الله، الحافظ لحدود الله، الآمر بأمر الله، النَّاهي عمَّا نهى الله، المجاهد في الله حقَّ جهاده، القائم بعَرْضه (١) في عباده وبلاده، واللهُ تعالى يُثيبه على ما يعمله من صحَّة نيَّتِه، ونقاء سريرتِه، ويعينه على العدل والإحسان إلى رعيتِه، وبعد فإنَّ أميرَ المؤمنين لم يَزَلْ منذ أنهضه الله بالخلافة، وأكرمه بالإمامة، وألقى إليه أزِمَّةَ الأمور، وقلَّده سياسة الجمهور، وكان القَضاءُ أَوْلى الأمور بالترتيب، وأجراها بالتهذيب، وقد أعمل أميرُ المؤمنين فِكْرَه فيمن يُسْنِد إليه الأحكام، ويقلِّده القضاء بين الحلال والحرام، ويجعله حجَّةً بينه وبين الله تعالى في هذا المقام، وبين رسوله ، فكان الحسين بن علي قاضي القضاة منتهى رأيه، ومقرَّ اختياره، لما هو عليه من عفافه وديانته، واستقامت طريقته بعد أن اختبر أحواله فيما ولَّاه، وعرف أنحاءه فيما استقضاه. ثم ذكر كتابًا أوصاه فيه بتقوى الله تعالى واتِّباع رضاه، وفيه: وآسِ (٢) بين الناس في مجلسك، لئلَّا يطمع شريفٌ في حَيفك، ولا يُحافَ ضعيفٌ من جَورِك، البيِّنة على المدَّعي، واليمين على من أنكر، والصُّلح بين


(١) العَرْض: سعة القدرة والطاقة، وسعة العلم والعرفة. تكملة المعاجم ٧/ ١٧٧.
(٢) أي سَوِّ بينهم واجعل كل واحدٍ منهم إِسْوَة خصمه. اللسان (أسا).