للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمين، ولا يمنعك قضاءٌ قضيتَه بالأمس أن تُراجِعَ نفسَك فيه اليوم، فإنَّ مراجعة الحقِّ خيرٌ من التَّمادي في الباطل. وذكر آيات العدل والأحاديث الواردة فيه، وذكر حكاية المأمون والمرأة التي كتبت إليه:

يا خير مُنْتَصِفِ يُهدَى له الرشد

وأنه حكم لها على ولده، وقد ذكرنا الحكاية في ترجمة المأمون، وذُكِرَ في هذا الكتاب: حُدِّثنا عن الشَّعبيِّ، عن ابن عباس قال: ذُكر عيسى ابنُ مريم عند النبيِّ فقال: "بخِ بخٍ، إن عيسى مرَّ بمقبُرةٍ في يومٍ صائفٍ فقال: يا أهل القبور، ما لكم لا تتكلَّمون، إن لم تُخبرونا بما صنع اللهُ بكم فنحن نخبركم أنَّ نساءكم قد استبدلوا بعدكم أزواجًا، وأنَّ أولادكم قد حُشِروا في زمرة اليتامى، وأنَّ دُورَكم التي بنيتُم قد سكنها غيرُكم، وَوزْرُها عليكم. قال: ونظر إلى قبرٍ متَنحٍّ، فسأل اللهَ أن يُكلِّمه. قال: فخرجَتْ من القبر جُمجُمةٌ فقالت: ما لكَ يا روح الله؟ فقال: منذ كم مِتِّ؟ قالت: منذ سبعين عامًا. قال: فكيف رأيتِ الحساب؟ فقالت: ما زِلْتُ أُحاسَبُ حتَّى سمعتُ النداء: أجِبْ عيسى بنَ مريم. فقال له عيسى: لقد كثُرَ بؤسُكَ في الدنيا، فما كانت معيشتُك؟ فقال: كُنْتُ أكتسبُ بلاغًا، وأُنفِقُ قصدًا، ولم أكُنْ أدَّخِرُ لغدٍ شيئًا، وكنتُ حمَّالًا أحمل القصب، فحملتُ يومًا لجارٍ لي قصبًا، فتناولتُ مه شظيَّةً فتخلَّلتُ ورميتُ بها، فقيل لي: لقيتني ولم تستحِلَّ صاحبَها استخفافًا بحقِّي. قال: فشاب مُقدَّم رأس عيسى وقال: هؤلاء أصحاب الشظايا، فكيف بكم يا أصحاب الأجذاع؟ قال: ومرَّ عيسى بقبرٍ يخرج منه دخانٌ، فقال له عيسى: يا صاحب القبر، ما كنت تصنع في الدنيا؟ فقال: كُنْتُ ملكًا جبَّارًا ظالمًا، أسأتُ السيرة، وأضعفتُ الرعية، وجرْتُ في العصبية، وقتلتُ البريَّة. فقال عيسى: فأخبرني بشيءٍ من سيرتك، فقال: كنت آخذُ الباطل، وأدَعُ الحق، أو أمنعُ الحق. فقال عيسى: ومن أعوانُكَ على ذلك؟ قال: شياطين الإنس. قال: فكيف أطاعوك؟ قال: أرغبتُهم بالدنيا، فنسوا الله فأطاعوني. قال: قال لي: ما صار عاقبةُ أمرك؟ قال: جاءني ملَكُ الموت على غِزَةٍ فأخذني بِكَظْمي (١) ما نَهْنَهني (٢) حتَّى أوقفني على ربي، فلم يسمع لي قولًا، ولا قبِلَ لي عملًا،


(١) الكظم: مخرج النفس من الحلق. المعجم الوسيط (كظم).
(٢) يقال: نهنههُ، أي: زجره وكفه. اللسان (نهنهه).