وأمر بي إلى النار، فينزعون روحي كما يُنزع السفُّود الكبير من الصوف المبلول. قال: فما فعل أصحابك؟ قال: هم مُقرَّنون في الأصفاد، سرابيلُهم من قطران، وتغشى وجوهَهم النار. قال عيسى: فما دعاؤك فيها؟ قلت: يا ليته كان كلبًا ينهش العظام على المزابل أو خنزيرًا يأكل العذرات، ويا ليته يأكل التراب، ويأوي إلى الخراب. قال عيسى: فما الَّذي أحاط بكم؟ قال: سوء الظنِّ بالله. قال عيسى: فما مُنيتُك منها أن تُعطى؟ فقال: أُرَدُّ إلى الدنيا فآكلُ ترابًا، وأعبدُ ربي حتَّى يَجيئني الموت. فقال عيسى: اللهمَّ إن كان عبدك صادقًا فأعْطِه سؤلَه، وإن كان كاذبًا فأبعِدْ دارَه. قال: فغاب الرجل فلم يُسمع له حِسٌّ. فقال عيسى لأصحابه: انظروا إلى هذا الخبيث لو رُدَّ إلى الدنيا لجاء بالعظمى، ولم يُبالِ بالنُّهبى، ولم يخشَ العُقبى، وأنزل الله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨] ".
وفي صفر ورد كتابٌ من أبي كاليجار إلى الخليفة يُعزِّيه ويُهنئه بالخلافة، فقُرئ بدار الخلافة بعد أن عُرض على جلال الدولة.
وفي صفر وُلدَ الأميرُ أبو نصر فناخسره ابن الملك أبي كاليجار بأَرَّجان.
وفيها وُلدَ بإسكاف ولدٌ له رأس وبقية بدنه كالحيَّة [أو المِصْران]، فنطق ساعةً وقال: الناسُ تحتَ غضب منذ أربع سنين، والواجب أن يخرجوا فيستسقوا ليُكشَفَ عنهم البلاء.
[قال ابن الصابئ]: فكتب قاضي إسكاف إلى الخليفة بذلك، [وذكر كلامًا طويلًا بذلك]، واجتمع الناس في الجوامع والمساجد بإسكاف (١) أيامًا فلم يُسْقَوا ولم يُغاثوا.
وفي يوم الجمعة ثالثَ ربيع الأول قطع الأتراكُ الخطبة لجلال الدولة بجامع المنصور، وبلغه فانزعج، ونقل ابنتَه السيدة إلى حيثُ أمِنَ عليها، وأنفذَ بعضَ جواريه إلى دار الخلافة، وخيَّر الباقيات في العتق أو الأخذ لنفوسهنَّ، فبعضهُنَ اختار العتق، وبعضهُنَّ مضى إلى من كُنَّ له من قَبْلُ، وتفرَّقَ عنه حواشيه وأصحابُه، واستتروا، فلمَّا كان يوم السبت راسلوه الانحدار إلى واسط، وقالوا: اليومَ موعِدُك فاخرُجْ، فإنَّ الجماعة مجتمعون على هذا الرأي. فامتنعَ، وطلب الخواصَّ من الدولة بالخروج معه، مثل حاجب الحُجَّاب وغيرِه، وشغَبَ التُركُ، فقال القاضي أبو صالح الموقَّر: أيها