الملك، الصواب خروجُكَ، فقد أخرج المشركونَ رسولَ الله ﷺ من مكةَ إلى المدينة، ثم رجع وفعل بهم ما فعل، وكانت المخاطبةُ له بهذا من تحت رَوْشنِ دارِه؛ لأنه كان قد أغلق الأبواب، فعاتبه الغِلْمان فقال: إنما قصدتُ تطييبَ نفْسِه، وكتب الإسْفَهسلارية رقعةً إلى الخليفة يقولون: قد عرفَ مولانا أميرُ المؤمنين ما عليه الأمورُ من الفساد، وما اجتمع عليه الغِلمانُ من إخراج الملك، والرأيُ أن يشير إليه مولانا بالانحدار على وجه جميل، فإن قَبِلَ وإلَّا كان مولانا شاهدًا لنا عليه. وبلغ جلال الدولة، فلمَّا كان يومُ الاثنين سادسَ ربيع الأول خرج في نفرٍ من غلمانه وأصحابِه، ومضى إلى عُكْبَرا، وعَلِمَ به الغِلمانُ، فبادروا إلى دار المملكة ونهبوها، وأخذ جميع ما كان فيها، وله قيمةٌ وافرٌ، وركب حاجبُ الحُجَّاب ومنعهم من تشعيثها، وكتبوا إلى كمال الدولة أبي سنان يقولون: قد خرج إلى بلدك والي دُبيس يخبرونه بما فعلوا، وكتبوا إلى أبي كاليجار بما فعلوا، وسألوه أن يُرسل إليهم مَنْ ينوب عنه.
وأمَّا جلال الدولة فاستقبله كمالُ الدولة أبو سنان، وقتلَ الأرضَ بين يديه وقال: خزائني بين يديك. وزوَّجه ابنتَه، وحمل إليه الأموال والثياب والخيل وغيرَها، ثم إنَّ الأتراك تلاوموا فيما بينهم، وخرج أكابِرُهم إليه واستعطفوه واعتذروا، وأعادوا الخطبة له في جوامع بغداد، وبعثَ الخليفةُ إليه حاجبَه أبا منصور بن طاس وخادمين بكتاب يستوحش له ويهنِّئه باستقامة الأمور، وكان القائمُ قد سيَّر القاضي الماوردي ومبشِّر الخادم إلى الأهواز إلى أبي كاليجار بوفاة القادر وإقامة القائم، فلمَّا كان يومُ الجمعةِ لليلتين خَلَتا من ربيع الآخر قَدِما بغداد، وذكرا أنَّ الملك بعث لتلقِّيهم القُضاةَ والأشراف والقُوَّاد، وحمل إليهما أموالًا كثيرة، ودخلا إليه، فأدَّيا الرسالة، فقام وقبَّلَ الأرض، ثم أقام الخطبة للقائم، والتمسَ أن يُلقَّب بالسلطانِ المُعظَّم مالكِ رقاب الأُمم، فقال له الماوردي: لا يُمكن هذا؛ لأن هذه ألقاب الخليفة. فعدل إلى ملك الدولة، وبعث معهما بمالٍ وثيابٍ وطِيبٍ وغيرِه للخليفة.
ثم في ربيع الآخر عاد جلالُ الدولة إلى بغداد، وتلقَّاه الأشرافُ والعساكرُ، فكانت غيبتُه عن بغداد ثلاثةً وأربعين يومًا، وحضر الوزيرُ إلى الخليفة، واستحلَفه بجلال الدولة، وحلف جلالُ الدولة، وخلع على الوزير أبي القاسم، ولمَّا كان يومُ الجمعة