للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرَّوشَن، فما استحَوا منه، ولا ترجَّلوا عن خيولهم، ولا خدَموه، وقال (١) له أبو منصور جرادة قولًا أغلَظَ له فيه، وتجاوز الحدَّ والأدب، ثم قال: قد اجتمع العسكر كلُّهم على إخراجك من بينهم، فاخْرُجْ، فإنه أولى لكَ وأصلَحُ. ثم التفتَ إلى الغلمان وقال: أليس كذا تقولون؟ قالوا: نعم. فقال الملك: أمهلوني ثلاثةَ أيام حتَّى آخذ حرمي وأولادي. فقالوا: لا نفعَل، وصاحوا، ورموه بآجُرَّةٍ في صدره، فتلقَّاها بيده، وأصابته أخرى في كتفه، ورماه أبو سُكَين الدَّيلمي بِزَرْبينٍ (٢) فحاد عنه، وتوارى عنهم، فأحرقوا أحد الأبواب، فرماهم غِلْمان الدار بالنُّشَّاب، وأطفؤوا ما علقت النار فيه، فجاؤوا إلى باب البستان فضربوه بالدبابيس حتَّى كسروه، فأمر الملك الغلمان والحاشية، فقاتلوهم ورموهم بالنُّشَّاب، ودعا مَنْ كان تحت الدار من العامة بالدخول، وإلى من كان بالجانب الغربي بالعبور، فصاحوا صياحًا خاف منه الغلمان، وانكشفوا من الميدان، وأحضروا خيامهم فنصبوها عند دار الفيل على وجه الإحاطة بالدار، وتوقَّفوا خوفًا من العامة، وخرج الملك نصف الليل في زقاق غامض، فنزل في سُمَّارية، وعبر إلى الجانب الغربي متنكرًا في الظُّلمة إلى دار المرتضى، وقد غيَّر لباسَه، ومعه ثلاثة نفر، وعبَرَ خلفَه خُدَّامه وبعضُ أصحابه في سفينة، وأدركهم الغلمان، فغرَّقوها ظنًّا منهم أنَّه فيها، وأفلتَ مَنْ أفلتَ من تحت السيف والخوف، وحصل في دار المرتضى، ونهب الغلمانُ الدارَ وأخذوا ما فيها، حتَّى أبوابها وسقوفَها وساجَها، وقد كان في تلك الليلة بعث بحرمه وما يخاف عليه إلى دار الخليفة، وخلص الوزير ابن ماكولا من المطالبة، وراسل الغلمان الخليفة بقطع خطبة جلال الدولة، فقال: حتَّى ننظر في ذلك (٣)، وخرج الملك إلى أوانا، ثم انتقل إلى كَرْخ سامراء، فكاتبه الغلمان، واعتذروا وتنصَّلوا ممَّا بدا منهم، فخرج إليه مؤيَّد الملك أبو علي ونظام الحضرتين والماوردي في رسالة الخليفة لأجل الغلمان وما شرطوه عليه من طلب المال والأقساط في وقتها، وعاد الملك إلى بغداد في شعبان، والتقوه واعتذروا


(١) في (خ): وقالوا.
(٢) الزَّربين: نوع من الأحذية. ينظر تكملة المعاجم ٥/ ٢٩٩.
(٣) في (ف): أمرك.