للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه، وصلُحَتِ الحال، ودخل حاجب الحُجَّاب إلى دار الخليفة مستجيرًا به من الملك؛ لأنه اتَّهمه بما جرى، فراسله الخليفة فأسكن منه وقال: إن أردتَ الاعتزال خاطبتُ الملكَ فيك، وكانت داري موطَّأةً لك ومستقرَّكَ، وإن أردتَ العَوْدَ إلى أمرك توسَّطْتُ بينكما، ووجدتَ عندي من المراعاة لكَ ما يقتضيه اعتقادي فيك. فدعا وشكر وقال: ما أريد إلا الاعتزال. فأراد الخليفةُ مراسلةً، فبادر جلالُ الدولة وراسل الخليفة وقال: هذا قد حصل في دارك، وقد كفر نعمتي، وسعى في فساد دولتي، وعفوتُ عنه مرارًا، فعدل إلى إتلاف مهجتي، وحمل الغلمان على ما فعلوا، ومع هذا فهو بدار الخلافة (١) يُراسِل ويُفسِد، ويوثب ويؤلِّب، ويبذل الأموال، وأسأله أن لا أخاطب في معناه، فأرسل إليه الخليفة بأنه رجلٌ شيخٌ، وقد تقدَّمَتْ له خدمةٌ ومناصحة، وليس يخلو أمرُه إمَّا أن يكون ما قيل عنه صحيحًا، فأين العفو الَّذي أمر الله به؟! وإن كان كذبًا فالأناةُ والتثبُّتُ أولى، وهذه الخيانة الواقعة دخلت فيها الجماعة، وقد عفا الملك عنها، فليسَعْه عفوُه، وما علِمْنا منه إلا خيرًا. فعاد الجواب مع أبي الحسين القُدُوري وأبي طاهر الحمَّامي أنَّ الدولةَ دولتُه، والفسادَ عليها فسادٌ عليه، وما يجوز لنا أن نأمنه على هذه الحال، وأن نقبل نُصحَه بعدما فعل، وهو عبدٌ من عبيدنا، لا يسوغ مَنْعُنا منه، ولكنَّ أوامرَ مولانا متقبلةٌ ممتثلةٌ لا نَرى مخالفتَها، والعسكر قد باينوه في طاعتنا، فإن عفَونا عنه فسدوا علينا، وعاد ذلك الضررُ على أمير المؤمنين، وإذا أمسكنا عن طلب تسليمه فلا أَقَلَّ من إخراجِه وإبعادِه، فإنَّه مقيمٌ على أمره في إيحاش الغلمان وحملهم على القبيح، وجرَتْ مراسلات كثيرةٌ، ووقف أمرُه، وقيل: إذا انقضى شهر الصيام خرج إلى حيث يقيِّضه الله تعالى له.

وفي شعبان قبض جلال الدولة على الوزير عميد الدولة وقيَّده، وهرب أخوه كمال الملك واستتر، وهذا الوزير وَزَرَ دفعات ويُعزَلَ، وهذه السادسة أقام فيها تسعة أشهر.

وفيها بعث صاحب مصر خمسةَ آلاف دينار يُصلِحُ بها نهرًا ينتهي إلى الكوفة، وَيرِدُ إليه ماء الفرات، وجاء أهل الكوفة يستأذنون الخليفة، فثَقُلَ عليه، وسأل الفقهاء، فقالوا: هذا مالٌ يغلب عليه من فيء المسلمين، تصرفه في هذا الوجه.


(١) في (ف): الخليفة.