وفي جمادى الأولى راسل الغلمانُ الخليفةَ بأن يخطب لأبي كاليجار، فقال لجلال الدولة: عندنا عهودٌ لا يمكن العدول عنها، فإن أجريتُم الأمورَ على ما هي عليه، وإلَّا قطعنا الخطبة بمرة. وقصد الغلمانُ جامع المنصور، وطالبوا الخطيب بالخطبة، فقال: ما رُسِمَ لنا شيء، ولكنني أترك الخطبة لجلال الدولة. ثم نزل وصلَّى، وحضر منهم جماعة بجامع براثا، وطالبوا الخطيب بذلك، فخاف منهم، وخطب له، وأحضر حاجبُ الحجَّاب بالعسكر منبرًا، وألبس فقيهًا قَباءَ ديباج أسودَ، وعمامةً سوداءَ، وأمره فخطب ودعا لأبي كاليجار، وهذا من أعظم الأشياء أن يخطب بحضرة الخليفة بغير أمره.
وفي يوم الأحد لليلة بقِيَتْ منه وقع ببغداد كتاب طائر من واسط، فيه أنَّ الأتراك اتفقوا هناك على أبي كاليجار كما فعل الغلمان ببغداد، وكان بينهم أمير الأمراء أبو نصر بن جلال الدولة، فخاف منهم وفارقهم ولم يخطب ببغداد في الجمعة الآتية لأحد.
وفي يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة ركب حاجبُ الحُجَّاب والوزيرُ والغلمان إلى الحلبة، وبعثوا إلى الخليفة في الخطبة، فقال لجلال الدولة: علينا حقوقٌ لا يجوز اطِّراحها، وأبو كاليجار بعيد الدار عنا، ولم يُراسِلْنا في ذلك، فأغلظوا في الجواب، وقالوا: هذا الملِكُ قد أجاعنا وأعرانا وأذلَّنا، وفعل معنا كلَّ قبيح، فإن كنتَ تريد المال فما جَرَتْ بهذا عادةٌ. وأصبحوا فبعثوا إلى الجوامع، فأقاموها لأبي كاليجار من غير أمر الخليفة، وخاف من الفتنة، فسكت.
وفي هذا الشهر أخرج الحاجبُ رؤساءَ الأتراك إلى الأهواز بما فعلوا، ويستعجلونه في القدوم، وضربوا السكك باسمه، وعليها الملك العادل شاهنشاه، وفي الجانب الآخر اسم الخليفة، وورد كتابه بشكرهم (١)، وكان بعسكر مكرم، وكتب إلى أهل بغداد يَعِدُهم العدلَ والإحسانَ، وقُرئ في دار الشريف المرتضى، ووقعت بيد الحاجب ملطفات من صغار الغلمان إلى جلال الدولة وإخوته، وأنهم قد شرعوا في نقض ما أبرمه الحاجب، فجمع الأكابرَ وقال: ما بذلَتُ نفسي وما لي إلَّا لأجلكم، وقد