للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلام وأمدحهم. وكان يسكن الكَرْخَ بدرب رباح، وكان جلال الدولة قد حبسه ثم أطلقه، وسببه أنَّ امرأةً كانت تخدُمُ دارَه، فكنست يومًا الدار، فوجدت خيطًا فجرَّته، فإذا هو خيط هميان فيه دنانير، فأخبرته فقال: أنا دفنتُه، وكان فيه ألفا دينار. فسعَتْ به إلى جلال الدولة (١)، فأنكره، وكان قد نزل بذلك البيت حاجٌّ من أهل خراسان.

وقال له [أبو القاسم] ابن برهان [يومًا]: يا أبا الحسن، أنت رجلٌ أعجميٌّ، وفي العجم غلاظةٌ، فمِنْ أينَ لك هذه الرقة (٢) وهذه الجزالة؟ ثم إنك تصِفُ أماكنَ ما رأيتَها أحسنَ ممَّا يصِفُها مَنْ قد رآها. فأطرق ساعةً ثم رفع رأسه، وأنشد [هذه الأبيات] بديهًا: [من الطويل]

فإن لم يكُنْ نظْمُ القصائدِ شيمتي … وليس جدودي يَعْرُبٌ وإيادُ

فقد تسْجَعُ الورقاءُ وَهْيَ حمامةٌ … وقد تنطِقُ الأوتارُ وَهْيَ جمادُ

وقال: [من البسيط]

أستنجِدُ الصبرَ فيكم وهو مغلوبُ … وأسألُ النومَ عنكم وهو مسلوبُ

وأبتغي عندكم قلبًا سَمحْتُ بهِ … فكيفَ يرجِعُ شيءٌ وهو موهوبُ

ما كُنْتُ أعرفُ ما مقدارُ وصلِكُمُ … حتَّى هَجَرتُمْ وبعضُ الهجرِ تأديبُ

وقال: [من الكامل]

أهفو لعلويِّ الرِّياحِ إذا جرَتْ … وأظنُّ رامةَ كلَّ دارٍ أقْفَرَتْ

ويشوقني روضُ الحِمى مُتنفِّسًا … يصِفُ الترائبَ والبروقَ إذا سَرَتْ

يا دينَ قلبٍ من ليالي حاجِرٍ … مكرَتْ بهِ يومًا عليه وانقضَتْ

وقال: [من الطويل]

هل السابقُ الغضبانُ يملِكُ أمرَهُ … فما كلُّ سيرِ اليَعْمَلاتِ (٣) وخيدُ (٤)

رويدًا بأخفافِ المَطيِّ فإنَّما … تُداسُ جِباهٌ تحتَها وخدودُ


(١) في (خ): جلال الملك، والمثبت من باقي النسخ.
(٢) تحرفت في (خ) إلى: الورقة.
(٣) اليَعْمَلَات جمع يَعْمَلَة: وهي الناقة السريعة. اللسان (عمل).
(٤) الوَخْدُ: سعة الخطو في المشي. اللسان (وخد).