آدم، فأرسله الله إليها في صورة البشر فدخل في فيها، والأوَّل أصحُّ لدلالة الكلام عليه، فإن جبريل هو الذي خاطبها.
وقال الله تعالى: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ أي: حفظت ومنعت ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾ أضاف الروح إليه على معنى التشريف لمريم وعيسى، وإنما قال: ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً﴾ [الأنبياء: ٩١]، ولم يقل آيتين، لأنَّ معناه: وجعلنا شأنهما وأمرهما آيةً.
﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ١٨] واختلفوا فيه على أقوال:
أحدها: إن كنتَ مطيعًا مؤمنًا، قاله عليٌّ ﵇، وقد فسرهُ فقال: إن كنتَ تتقي الله فإنك تنتهي عني بتعوذي منك.
والثاني: أنه كان رجل في بني إسرائيل، زاهد عالم عابد ورع، يقال له تقي، فقالت: وإن كنت في الصلاح مثل تقي فإني أعوذ بالله منك.
والثالث: أن التقي اسم رجلٍ فاجر، كان يتعرَّض للجواري، فيعوذون منه.
فقال لها جبريل: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ﴾ فلا تخافي، إنما أرسلني ﴿لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ [مريم: ١٩] أي: صالحًا، طاهرًا من العيوب. وإنما أضاف الهِبَة إليه لأنه هو السبب، فأضافها إلى نفسه: ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ أي: كيف يكون لي ولد ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ أي: لم يَقْربني زوج ﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٠] أي: فاجرةً. ﴿قَالَ﴾ جبريل: ﴿كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ [مريم: ٢١] أي: يسير أن أهَبَ لك غلامًا من غير أب ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ أي: دلالةً على قدرتنا، وعبرةً للناس ﴿وَرَحْمَةً مِنَّا﴾ لمن تَبِعَهُ وآمن به، ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٢١] أي: محكومًا به، مفروغًا منه، كُتِبَ في اللوح المحفوظ.
قال ابن عباس: فنفَخَ جبريل في جيب درعها، فمرَّت حاملًا في الوقت، فلما تيقنت بحملها انتبذت به، أي: انفردت ﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾ [مريم: ٢٢] أي: بعيدًا من أهلها من وراء الجبل. وقال مجاهد: قيل ليوسف النجار، وكان ابنَ عمها: إنَّ مريم قد حبلت، والآن تُقتل، فأخذها وهرب بها، فأراد قتلها، فناداه جبريل: لا تفعل، فإنه روح الله وكلمته، فَتَرَكَهَا.