للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن عباس: أرسلَهُ الله وهو ابن ثلاثين سنة، فأَقام في الرسالة ثلاثين شهرًا، ثم رفعهُ إليه. وقال وهب: أقام في الرسالة ثلاثَ سنين، ثم رُفع.

فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: ﴿إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ [مريم: ١٦]؟ فالجواب (١): ما حكاهُ علماء السِّير ممن سمينا، قالوا: معنى ﴿انْتَبَذَتْ﴾ انفردت وتنحَّت، وكانت قد خرجت عن أهلها، ومعنى ﴿مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ أي: مما يلي الشرق، لأنه كان في الشتاء، وكان أقصر يومٍ في السنة، قال الحسن: فلهذا اتخذت النصارى الشرق قِبلةً.

﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا﴾ أي: ضربت سترًا يمنع من ينظر إليها، وكانت إذا حاضت خرجت من المسجد، فتغتسل ثم تعود إليه.

وقد اختلفوا في سنِّها يومئذٍ على أقوال:

أحدها: أنه كان لها خمس عشرة سنة، قاله ابن عباس.

والثاني: اثنتا عشرة سنة، قاله وهب.

والثالث: ثلاثَ عشرة سنة، قاله مجاهد.

والرابع: عشر سنين. والأول أصحُّ.

قال مقاتل: بينما هي تغتسل، إذ عرض لها جبريل في صورة غلامٍ أَمرد وضيء الوجه، جَعْد، قَطَط، حين خطَّ (٢) شاربه، وهي تمتشط؛ وإنما جاءها في صورة البشر لتثبت ولا تخاف، فذلك قوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٧].

واختلفوا في معنى قوله تعالى: ﴿رُوحَنَا﴾ على قولين: أحدهما: أنَّ الروح جبريل. والثاني. عيسى.

قال أُبيُّ بن كعب: كان روح عيسى من الأرواح التي أخذ الله عليها الميثاق في زمن


(١) انظر تفسير الثعلبي ٦/ ٢٠٩، وعرائس المجالس ٣٨٤، والنكت والعيون للماوردي ٣/ ١٤، وزاد المسير ٥/ ٢١٦.
(٢) في (ب): طرَّ، وهما بمعنى.