العاليين، وبعث الخليفةُ الماورديَّ ومعه جماعةٌ من الأعيان إلى أبي كاليجار في هذا المعنى، وعاد الماوردي من عند أبي كاليجار بالسمع والطاعة للخليفة ولجلال الدولة، وقال الأجلُّ العادل لهما: ما زِلْتُ حتَّى ألقيه عما كان عليه.
وحصل الاتفاق على أن يكون من البصرة إلى فارس لأبي كاليجار، ومن واسط إلى بغداد وأعمالها لجلال الدولة، وكتبوا الكتاب، وشَهَّدوا فيه القضاة والقُوَّاد والأشراف، وأخذوا عليه خطَّ الخليفة.
وفيها ظهرت الغُزُّ، فاستولوا على أذربيجان ونواحيها، وقتلوا خلقًا كثيرًا وسَبَوا.
[وذكر هلال بن الصابئ في أول هذه السنة أنَّ الفرَّاش الَّذي حمل رأس حاجب الحجَّاب رهنه عند خمَّار على جرَّة نبيذ].
وفيها خرج توقيع القائم بأن يُلزِمَ أهلَ الذِّمَّةِ ما تقتضيه مراسيمُ الشرع من شَدِّ الزنانير والغيارات (١)، وما جرت به العادة.
وفي رمضان سأل جلالُ الدولة الخليفةَ أن يزيد في ألقابه، فيقال: شاهنشاه الأعظم، ملك الملوك؛ ليميزه على أبي كاليجار، فخطب له على المنابر، فثارت العامَّة، ورجموا الخطباء بالآجر، ورماهم الغلمان بالنُّشَّاب، واقتتلوا، وصاحت العامة: هذا اسمٌ من أسماء الله لا يجوز أن يُشاركه فيه غيره، ولا يجوز للخليفة التلقيبُ به، وبلغ الخليفةَ، فأمر بجمع الفقهاء إلى الديوان في داره، واستُفتوا في الألقاب المتجدِّدة وهي شاهنشاه الأعظم، ملك الملوك. وقال الخليفة: ليُكتَبْ فيها جميعُ المذاهب، فرخَّص البعضُ، ومنع البعض.
قال محمد بن عبد الملك الهَمَذاني: منع الماوردي من جواز ذلك، وكان مختصًا بجلال الدولة، له منه منزلةٌ رفيعةٌ، فاستحضره، فحضر على وجل، وتوقع مكروهًا، فقال له جلال الدولة: لا بأس عليك، فإنك لو حابيتَ أحدًا لحابيتَني؛ لما بيني وبينك، وكونِك أكثر الفقهاء مالًا، وأوفاهم جاهًا، وما حملك على مخالفتي إلا الدِّين، وقد قرَّبك ذلك مني، وزاد محلُّك في قلبي، وارتفع موضِعُك عندي، فجزاك الله خيرًا،
(١) الغيارات، جمع غيار: وهو علامة أهل الذمة، كالزنار للمجوسي ونحوه، يُشدُّ على وسطه. المعجم الوسيط (غير).