للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه ورد أهل الكوفة بغداد يذكرون ما يعاملهم به بنو خفاجة من قَتْلِ النفوس، وأَخْذِ الأموال والحريم، ويحملون الناس إلى حللهم فيعاقبونهم، ويتبعونهم نفوسهم بما يريدون، وأنَّ السُّبُلَ تقطَّعت عن زيارة المشهدين، وخُرِّبَ قصرُ ابنِ هُبيرة، وكان فيه ألوفٌ من الناس ونيِّفٌ وعشرون حمامًا، وكان ضمانُ سوقِ غزله سبعَ مئة دينار في كل سنة، وكانت السفن تتردد إليه من سُوراء (١) بصنوف الأمتعة، فآلَ أمرُه إلى الخراب، ولم يبقَ فيه من أهله إلا نحوُ خمسين نفسًا من رجال ونساء في زقاق واحد، ومضى الباقون على وجوههم، وسألوا جلال الدولة أن يُعيد على بني خفاجة إقطاعاتهم ليأمنوهم، قال: هذا شيءٌ ما إليه سبيل ما دام لي ولاية، ولكن أكاتب أصحاب الأطراف فيهم واستئصالهم. وكاتَبَ حسامَ الدولة ابنَ أبي الشوك وغيره في معناهم، فوعده بكَفِّ شرِّهم.

وفي يوم الجمعة سادس جمادى الآخرة وُلدَ للخليفة أبو العباس محمد، وسُرَّ الناس، وزُيِّنت بغداد من الجانبين، ودُعي له على المنابر، وبعث الخليفةُ إلى البلاد بذلك.

وفيها وردَ الأجَلُّ العادل البصرة، ورتب فيها أبا الفرج بن فَسانْجِس، فسار فيها السيرةَ العادلةَ، وألزمهم بعمارة المساجد، وكانت قد هُجِرَت، وأسقط الوزيرُ المواريثَ الحَشْرية (٢)، ووفر ما يحصل منها على عمارة المساجد.

وفي رجب خرج جلال الدولة من بغداد لزيارة المشهدين الحائر والكوفة، ولمَّا قَرُبَ من كل مشهد مشى مقدار فرسخ حافيًا، وأقام عند قبور آبائه ثلاثةَ أيام، وفرَّقَ في المشهدين أموالًا جليلةً، وعاد إلى بغداد في شعبان، وكان الوزير كمالُ الملك قد خرج مع جلال الدولة إلى الحائر والكوفة فقيل لجلال الدولة: إنَّ بني خفاجة ليس لهم معقل إلا العين، ومتى انتُزِعَت منهم لم يبقَ لهم في هذه الديار مقام، فسار إليها الوزير


(١) سُوراء: محلة بجانب بغداد. معجم البلدان ٣/ ٢٧٨.
(٢) المواريث الحَشْرية، أي: المحشورة، يعني المجموعة. والمراد: أن الأموال التي تُوفِّي عنها أصحابُها ولم يكن لهم وارث شرعي فإنها تُجمع وتُردُّ إلى بيت المال. ينظر المصباح المنير ص ١٣٧، وصبح الأعشى ٣/ ٤٦٠.